فى بدايات تكوين المجتمع الإسرائيلى للحصول على “حلم الدولة” والفوز ب”أرض الميعاد”، وبأى وسيلة، عاش نحو مليونى شخص فى تل أبيب حالة من الصراعات السياسية على السلطة، إلى أن تشكلت القيادات على هوى الصقور المتشددين، ومع صعودهم إلى الحكم وصنع القرار، أصبح لا مجال للتغطية على مظاهر الفساد المالى والسياسى فى الداخل والدفاع عن “شرعية الأرض المُغتصَبة” إلا بتصدير العنف إلى الخارج ودق طبول الحرب دائما، ليتحول الشرق الأوسط إلى أفضل ملعب لإحراز الأهداف وحصد الانتصارات الإسرائيلية فى مرمى العرب! وحفر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو اسمه بحروف بارزة فى سجل «الصقور». ومع اندلاع الأحداث فى سوريا بعد توابع الربيع العربى فى 2011، قرر نيتانياهو استغلال الفوضى الأمنية والاضطراب السياسى الناجم عن الصراع بين الرئيس السورى بشار الأسد والأطياف المعارضة طوال 8 سنوات، واغتنم فرصة اشتعال الحرب وتدفق شلال الدم فى المدن السورية ليحكم قبضته الكاملة على هضبة الجولان، بل سعى فى الخفاء لإرغام راعيته الأولى أمريكا للدخول على خط الأزمة ومقاومة بقاء الأسد عبر سلسلة حروب بالوكالة ضمت إليها روسياوإيران وتركيا، وهو الطريق الأمثل لانشغال السوريين بمحنتهم الكبرى ونسيان مصير الجولان التى أحيتها مجددا الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 نوفمبر الحالى عندما صوتت بأغلبية ساحقة لصالح سيادة سوريا على الهضبة. واعتبار كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلى «باطلة ولاغية»، ولم تملك إسرائيل إلا التحصن بالفيتو الأمريكى لعرقلة القرار لحين العثور على حيلة جديدة لدفن القضية بعد أن فشل نيتانياهو فى ابتزاز إدارة الرئيس الجمهورى دونالد ترامب منذ عامين عندما زار على رأس وفد عسكرى الجولان وطلب نقل الهضبة للسيادة الإسرائيلية، فتكتمل خطته الشيطانية لإغلاق الملف من كل باب. وتفجرت الحرب الجديدة بين إسرائيل وإيران فى صورة ضرب الطائرات الإسرائيلية عشرات الأهداف الإيرانية فى سوريا ردا على الهجمات الصاروخية التى شنتها طهران ضد الجيش الإسرائيلى فى مرتفعات الجولان، وكان هذا التطور كافيا لتبادل القصف الجوى بين الطرفين وتصاعد حرب الوكالة داخل سوريا لتمزيقها وتدميرها أمنيا وميدانيا. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن أن إسرائيل استغلت الموقف لتكثف ضرباتها العسكرية ضد إيران عبر الأراضى السورية، حيث حاولت حكومة نيتانياهو اختراق إيران عسكريا من بوابة سوريا انطلاقا من الاستغلال الإيرانى لفوضى الحرب فى سوريا، وبناء وتدريب ميليشيات شيعية كبيرة تضم الآلاف من المقاتلين، فضلا عن إرسال مستشارين من فيلق القدس، الذراع الخارجية لمؤسسة الحرس الثوري، إلى القواعد العسكرية السورية. وكلها عوامل تبرهن على أن الصراع بين إسرائيل وإيران قد وصل إلى جولاته المثيرة فى الحلبة السورية. وعزف نيتانياهو مع أعضاء حكومته على نغمة أخرى عبر تشديد الحصار السياسى والاقتصادى على إيران لإجهاض طموحاتها النووية من خلال الضغط على ترامب لتمزيق ورقة الاتفاق النووي. وتفنن «الثعلب» الإسرائيلى فى فرض شروط «مستحيلة» لإقصاء إيران عن أهدافها ومشروعاتها النووية أبرزها وقف الاعتداءات الإيرانية تجاه جيرانها، والتخلى عن دعم الإرهاب، وإنهاء تهديدات نظام الخمينى بالقضاء على إسرائيل، ليصدر نيتانياهو إلى العرب والعالم بأسره فكرة أن إيران هى العدو الأول والأخطر. وإمعانا فى تجريد إيران من كل أسلحتها وأذرعها دخلت إسرائيل فى مباحثات قوية مع فرنسا حول تسليح حزب الله «توأم إيران»، بما فى ذلك إنشاء مصنع للصواريخ فى لبنان. وتثبت التجربة العملية أن إسرائيل تحت قيادة “الصقر” نيتانياهو لن تفرط فى أدوات الحرب لاختراق الشرق الأوسط وتأجيج براكينه المشتعلة، فهذه الأدوات تحمى “العصابة” الإسرائيلية أولا وأخيرا من المحاسبة والسؤال فيما يتعلق بمستنقع الفساد والانحراف الذى تغرق فيه تل أبيب وتحصد المزيد من العار فى “أرض الخوف».