فاجأ شينزو آبى رئيس الوزراء اليابانى مواطنيه صباح أمس بإعلانه عن «ضرورة التخلى عن التمسك بالتاريخ فى معرض المباحثات مع روسيا»، والتى تتركز فى معظمها حول البحث عن الحلول المناسبة لاستعادة جزر كوريل، وإن قال إن طوكيو لم تغير موقفها من حتمية إعادة هذه الجزر وعقد معاهدة السلام مع روسيا. وكان الكرملين سبق وأعلن منذ أيام عن تمسكه بثوابت سياساته، مع مراعاة المتغيرات الجديدة فى غرب آسيا وما تفرضه من محاذير احتمالات تحول هذه المنطقة إلى الساحة الإستراتيجية الرئيسية فى القرن الحادى والعشرين. وذلك تحديدا ما يبدو تفسيرا لما أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين حول العودة إلى «الإعلان السياسى المشترك» الذى سبق ووقعه الاتحاد السوفيتى مع اليابان فى عام 1956، وكان يقضى بالموافقة على إعادة اثنتين من هذه الجزر إلى اليابان، لكن من منظور ما «جرى فى النهر من مياه كثيرة»، ومنها أن الاتحاد السوفيتى عاد وألغى موافقته على هذا الإعلان فى عام 1960 بعد توقيع طوكيو لمعاهدات التعاون مع واشنطن فى عام 1960. وكانت الأيام القليلة الماضية شهدت العديد من التجاذبات السياسية التى استهلها الرئيس بوتين بطرحه اقتراح توقيع «معاهدة السلام» بين روسياواليابان قبيل نهاية العام الجارى دون أى شروط مسبقة. غير أن رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى رفض الاستجابة لهذه المبادرة، وإن لم يعلن صراحة عن رأى قاطع بشأن احتمالات ان يظل الباب «مفتوحا» أمام أى مبادرات يمكن أن تعيد الأمل فى عودة الجزر. وفيما عادت «ذات القضية» إلى لقاء بوتين آبى على هامش قمة رؤساء بلدان غرب آسيا فى سنغافورة، ومعها ما تردد حول احتمالات توقيع اتفاق بشأن نقل السيادة على هذه الجزر، نقلت وكالة أنباء «تاس» عن دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين ما قاله حول عدم صحة أية تكهّنات سياسية بشأن احتمالات توقيع أى «اتفاق منفصل حول نقل سيادة الجزر»، مؤكدا «أن الأمر ليس كذلك ولا يمكن أن يكون كذلك». وأضاف بيسكوف أن الرئيس بوتين ورئيس الوزراء اليابانى آبى اتفقا فى سنغافورة على «تسريع» المفاوضات لطى صفحة هذا الخلاف الدائر بينهما منذ 1945، فيما أعلنا عن عزمهما على استعادة إعلان 1956عن معاهدة السلام والنظر فى مصير أربع جزر متنازع عليها. وتساءل الناطق باسم الكرملين «هل يمكننا القول إنّ ذلك يعنى عودة آليّة لبعض الأراضي؟ ، ليجيب عن تساؤله بقوله :»بالطبع لا». وكان الرئيس بوتين أشار فى ختام مباحثات أجراها مع شينزو آبي، إلى أن الاتحاد السوفيتى واليابان كانا قريبين فى عام 1956 من حل النزاع، حيث وقع البلدان، بل وصدقا على «إعلان 1956». وأضاف :» أن الولاياتالمتحدة وجهت آنذاك على لسان وزير خارجيتها دالاس إنذارها إلى اليابان حول أنه وفى حالة قيام اليابان بما يمس مصالح الولاياتالمتحدة، فانه سوف يكون من حقها وضع جزيرة اوكيناوا بكاملها تحت السيادة الأمريكية، مشيرا إلى «أن ذلك يضع روسيا أمام ضرورة احترام مصالح كل دول المنطقة بما فيها الولاياتالمتحدة». وتساءل بوتين عما يعنى ذلك؟، مجيبا فى الوقت نفسه عن تساؤله بقوله:«أن ذلك يعنى أننا، ونحن الذين نملك قاعدتين كبيرتين لأسطولنا فى هذه المنطقة التى تطل على المحيط الهادئ أن ندرك ماذا يدور حولنا بهذا الشأن. ومن هذا المنطلق، فانه يجب مراعاة ما تتسم به العلاقات اليابانيةالأمريكية من طابع خاص، وما يربط اليابانوالولاياتالمتحدة من التزامات تعاقدية فى إطار معاهدة الأمن الموقعة بين البلدين» . وذلك ما يبدو أن شينزو آبى أراد الإجابة عنه فى تصريحاته إلى صحيفة «أساهي» اليابانية التى قال فيها إنه قطع وعدا أمام بوتين خلال اجتماعه به فى سنغافورة، بعدم نشر قواعد عسكرية أمريكية فى جزيرتين من جزر الكوريل الأربع، فى حالة قيام موسكو بإعادتهما لبلاده، وفقا لإعلان عام 1956، وهو ما قد يعنى تغيرا فى الموقف الياباني. غير أن وكالة «نوفوستي» أشارت فى هذا الشأن إلى أن اجتماعا بين أمينى مجلسى الأمن فى روسياواليابان نيكولاى باتروشيف وسيتارو ياتى تطرق إلى هذه المسألة قبل شهر ونصف الشهر من زيارة الرئيس الروسى لليابان فى عام 2016، ، وقالت وفقا للمعلومات التى تم تسريبها بعد ذلك إلى وسائل الإعلام اليابانية، «أن سيتارو ياتى أجاب عن سؤال نظيره الروسى حول إمكانية نشر قواعد أمريكية فى هذه الجزر بالإيجاب». وذلك ما تتوقف موسكو عنده كثيرا، وما يفرض ضرورة مراعاته لدى تناول ما أعلنه رئيس الوزراء اليابانى حول إمكانية العودة إلى المفاوضات بشأن توقيع معاهدة سلام بين البلدين على أساس الإعلان السوفيتى اليابانى المشترك لعام 1956. وفى هذا الصدد قالت وكالة «نوفوستي» أن إعلان 1956 هو الوثيقة الوحيدة التى يعترف بها كلا البلدين، وينص على أنه بعد إبرام معاهدة السلام، سيتم نقل جزيرتى هابوماى وشيكوتان إلى اليابان. وعلى الرغم من أن موسكو لم تفصح صراحة عن إمكانية تنفيذ ما نص عليه الإعلان حول تسليم جزيرتين من الجزر الأربع المتنازع حولها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فان ما أعلنه شينزو آبى حول إمكانية النظر فى حل القضية على أساس هذا الإعلان المشترك يعتبر تنازلاً كبيراً من جانب اليابان، التى طالما أعلنت منذ ذلك التاريخ، عن اعتبار عودة جميع جزر الكوريل الأربع «هابوماي» و«شيكوتان» و«إيتوروب» و«كوناشير»، شرطا لا عودة عنه لإبرام معاهدة سلام مع روسيا. غير أن ما عاد وأعلنه دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين حول أن العودة إلى إعلان 1956 لا يعنى تسليم أراض روسية إلى اليابان، يقول عمليا إن الزعيمين بوتين وآبى لم يتوصلا بعد إلى «الحل الوسط» المناسب لكل من البلدين.