عندما يصنع إعلامنا الإسفاف بحجة محاربة التطرف, وعندما يفقد إعلامنا بوصلة الاعتدال وينساق في موجة التقليد, تنحدر به الأمواج العاتية صوب صناعة, التطرف والتشدد. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا, لكنهم يأخذوننا صوب معارك خاسرة من البداية, فمن ناحية وبدعوي محاربة التطرف ونشر فكر الاعتدال أخذت قنوات التليفزيون المصري الرسمية تستضيف أناسا يفتون في الدين من غير المختصين, يناقشون الناس ويدلون بمعلومات مغلوطة, وقد استفزتني إحدي المذيعات وهي قليلة الثقافة عديمة الفكر لكنها مدعية ولها قدرة خاصة في فرض الذات وقد أخذت مقعد المفتي وسط كوكبة من الناس الذين لا علاقة لهم بالإسلام أو المسيحية وهي تدير حوارا معهم عن الله من هو؟ وكيف هو؟ وعن الإيمان وعلاقة الناس بالدين؟ وفتحت تيارا من المعلومات المغلوطة تدفق في كل حدب منها ومن ضيوفها الذين كان يجب أن يتحدثوان في موضوع آخر. وفورا استدعت ذاكرتي مناهج صناعة التطرف ووجدتها علي أرض الواقع في حالتنا, وأولها أن نشر المعلومات الدينية المغلوطة يحدث ارباكا للناس فيدفعهم نحو من يقدمون فكر التشدد والتطرف, وثانيها أن نشر فكر الانحلال والإسفاف تكون نتيجته العكسية صناعة ملايين من المتعصبين كردة فعل عكسية ومضادة. ما فعلته هذه المذيعة وما يفعله غيرها في التليفزيون الرسمي الذي يتابعه الملايين من البسطاء يجعلهم يتعاطفون مع المتطرفين ويندفعون نحوهم, ما يفعله التليفزيون المصري بدعوي خدمة الاعتدال إنما يقوضه ويبني فوق انقاضه فكر التطرف, وللأسف أصبح الإعلام المصري في السنوات الأخيرة وبدون وعي وبدون فكر أداة لصنع التطرف لأنهم لا يدركون خطورة ما يفعلون. الإعلام المصري يتابعه أهل مصر من البسطاء وهم أغلبية المجتمع وإعلام بلدهم أكثر تأثيرا فيهم عن غيره, فلماذا لا نخاطبهم بطرق وأدوات وفكر قريب من أنفسهم وعقولهم, ولماذا الاصرار علي أن نفكر لهم ونخطط لهم لا أن نشركهم في كل ما نقدمه لهم, إنهم يمثلون الاعتدال فيجب ألا أن ندفعهم إلي تيار التشدد والتعصب.