بمناسبة الاحتفالية التى نظمتها مؤسسة الأهرام فى الذكرى المئوية لميلاد الشيخ زايد، تأملت مسيرة الراحل العظيم وما تنعم به دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من أمن واستقرار وتقدم وازدهار، وانتهيت إلى خمس نقاط عامة تفسر لنا أسباب النجاح ودور القيادة فى تحقيقه. النقطة الأولى: أن أهمية تذكر سيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فى هذا الظرف، تأتى من مسألة أصبحت شديدة الوضوح حاليا، وهذا العام تحديدا، فقد تزايدت أهمية أدوار القيادات فى تحديد مسارات الدول ويتم تقييم القيادات فى العادة بمعايير مختلفة ، تتعلق بالكفاءة، والوطنية، والخبرة، والإرادة، والتوازن، وغير ذلك. لكن ما وضح حاليا هو أن كل شىء دون الحكمة يمكن أن يختل، او يؤدى إلى نتائج عكسية، وكان هذا الرجل تحديدا رمزا للحكمة. النقطة الثانية : أن هذا الرجل قد أقام دولة اتحادية مكونة من سبع إمارات، على أسس مكنتها من الصمود والتطور حتى اليوم، على الرغم من التحديات التى واجهتها . ولا توجد حاجة لمقارنة حالة الإمارات العربية المتحدة بمحاولات أو حالات أخرى فى المنطقة العربية. فهى فى الحقيقة الحالة الوحيدة التى قامت واستمرت واستقرت ، وفى ظل ما تواجهه عدة دول عربية أخرى من انهيارات، علينا أن نتذكر ذلك. النقطة الثالثة : أن هذا الرجل قد وضع أسس دولة حديثة متقدمة تمثل نموذجا فى المنطقة، وليس مجرد اتحاد قادر على الاستمرار، ولا يدرك إلا من عرف الحالة الإماراتية فى الداخل معنى ذلك، فكيف تم التصرف فى موارد النفط، وكيف تم التعامل مع المقيمين، وكيف تم الاندماج مع العالم، وكيف تم حل معضلات فى الأمن والاقتصاد، والأهم كيف تم الحفاظ على الهوية والمواطنة فى ظل كل ذلك؟ جذور كثيرة تعود إلى توجيهات الشيخ زايد. النقطة الرابعة: هناك تعبير متداول فى الإمارات، يمثل مصدر فخر، يسمى أولاد زايد، ولا يرتبط هذا التعبير بأبناء الشيخ زايد فى ابوظبى فقط، وإنما بكثير من قيادات الدولة فى إمارات أخرى. فقد تمكن الشيخ زايد من أن يغرس مجموعة من القيم التى شكلت توجهات جيل من الأبناء، الذين هم على قناعة كاملة بها، وبأهميتها فى إدارة أوضاع الدولة وعلاقات الإمارات بغيرها من الدول والمؤسسات، فلا يزال ميراث زايد حاضرا. النقطة الخامسة : أن هذا الرجل قد تجاوز وهنا أتحدث عن العلاقات المصرية الإماراتية كل الحواجز الرسمية ليصل إلى أذهان المصريين البسطاء فإذا سألت أى مواطن مصرى عن الإمارات ، ستكون أول صورة ترد على ذهنه هى الشيخ زايد ثم تأتى البقية، فقد عرف كيف يتعامل مع الدول الشقيقة، وكيف يصل الى قلوب وليس فقط عقول مواطنيها من خلال دعم مشروعات واحترام وتقدير حسب تعبيرات جمال حمدان للموقع والموضع ، وهذا هو أهم الدروس التى يجب أن يتم الوعى بها. إن ما تقوم به هذه الاحتفالية المتميزة لمؤسسة الأهرام أو غيرها من الهيئات، ليس مجرد تذكر قيمة رجل مرت مائة عام على ميلاده، أو زعيم لا يزال الجميع يتذكره بالإجلال والتقدير، وإنما نموذج لا نزال فى حاجة إلى تحليله واستخلاص الدروس والعبر، لكى نتمكن من البناء أو الترميم على ما تبقى من العالم العربى. رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرئيس الأول لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. وستظل ذكراه خالدة وإنجازاته باقية بكل ماتجسده من فكر وقيم وحكمة. لمزيد من مقالات د. مفيد شهاب