فى سنة 1926 وجّه الأصوليون عدة سهام أصابتْ وجدان وعقل طه حسين، وبالرغم من ذلك لم يرفع راية الاستسلام.. ولم يتراجع فى الدفاع عن معتقداته..وكتب مقالا(بعد عام واحد من معركة كتابه (فى الشعرالجاهلي) دافع فيه عن مفهوم الدولة المدنية.. وكان مدخله لذلك انتقاد لجنة دستور1923بالرغم من وعيه بأنّ به الكثيرمن المواد التى تُدعم فكرة الدولة الحديثة مثل المادة رقم (1) ونصها أنّ «مصردولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة» والمادة رقم (3) ونصها» المصريون لدى القانون سواء.. وهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.. وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة.. لاتمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أواللغة أوالدين» والمادة رقم (4) ونصها «الحرية الشخصية مكفولة» والمادة رقم (12) ونصها «حرية الاعتقاد مطلقة» والمادة رقم (15) ونصها» الصحافة حرة فى حدود القانون.. والرقابة على الصحف محظورة..وإنذار الصحف أووقفها أوإلغاؤها بالطريق الإدارى محظور» والمادة رقم (20) ونصها «للمصريين حق الاجتماع فى هدوء وسكينة غيرحاملين سلاح.. وليس لأحد من رجال البوليس أنْ يحضراجتماعهم ولاحاجة بهم إلى إشعاره» والمادة رقم (23) ونصها أنّ «جميع السلطات مصدرها الأمة (عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية -). وبالرغم من ذلك امتلك طه حسين شجاعة الكتابة، فقال «لستُ أرضى عن هذا الدستور الرضا كله، ففيه نقص وفيه تشويه وفيه نصوص لابد من تغييرها» ثم هاجم الذين صاغوا مواد الدستور هجومًا عنيفًا بسبب المادة التى نصّتْ على أنّ الإسلام دين الدولة.. وببصيرته الرحبة انتقد هذا النص.. ومن يقرأ المقال (اليوم) يُدرك أنّ طه حسين كان يستشرف المستقبل المتردى الذى نعيشه الآن، حيث ذهب إلى أنّ النص فى الدستور على أنّ الإسلام دين الدولة «مصدر فرقة». لانقول بين المسلمين وغيرالمسلمين (فقط) وإنما نقول إنه مصدر فرقة بين المسلمين أنفسهم، فهم لم يفهموه على وجه واحد.. وأنّ النص على دين للدولة يتناقض مع حرية الاعتقاد، لأنّ معنى ذلك أنّ الدولة مكلفة أنْ تمحو حرية الرأى محوًا فى كل ما من شأنه أنْ يمس الإسلام من قريب أومن بعيد، سواء أصدر ذلك عن مسلم أوعن غير مسلم.. ومعنى ذلك أنّ الدولة مكلفة بحكم الدستور أنْ تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأيًا أو أّلّف كتابًا أو نشر فصلا أو اتخذ زيًا..ورأى الشيوخ فى هذا مخالفة للدين ونبّهوا الحكومة الى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أنْ تسمع لهم..وتُعاقب من يخالف الدين أو يمسه» وفى هجومه على الأصوليين ذكر أنهم «كتبوا يطلبون ألاّ يصدر الدستور، لأنّ المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستوروضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله.. وذهب بعضهم إلى أنْ طلب من لجنة الدستورأنْ تنص على أنّ المسلم لايُكلّف بالقيام بالواجبات الوطنية، إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام.. وفسّروا ذلك بأنّ المسلم يجب أنْ يكون فى حل من رفض الخدمة العسكرية، حين يُكلف بالوقوف فى وجه أمة مسلمة، كالأمة التركية مثلا (مجلة الحديث- فبراير 1927 وأعاد نشره فى كتابه: «من بعيد» - الشركة العربية للطباعة والنشر- ط 2 نوفمبر1958 232 وما بعدها). ......................... واللافت للنظرأنّ طه حسين لم يكن لوحده.. وإنما انضمّ إليه جيل الليبراليين المصريين الذين انتقدوا الدستور، لما فيه من عيوب ونقص وتناقض.. وركّزوا هجومهم على المادة رقم (149) ونصّتْ على أنّ «الإسلام دين الدولة» وهى المادة التى نجح التيارالأصولى فى فرضها.. ومع ملاحظة أنها جاءتْ فى المواد المتأخرة البالغ عددها169مادة.. وكان أبرزمن كتبوا ضد اللجنة التى خضعتْ لرأى وضغوط الأصوليين (محمود عزمى) فبينما كانت مواد الدستور مجرد (مشروع) أى قبل أن يُعتمد الدستور رسميًا للعمل بمقتضاه، كتب مقالابعنوان (العقيدة الدينية فى لجنة الدستور) قال فيه «إنّ ذلك النص المُقررللدولة دينًا رسميًا هوذلك الذى يريد أنْ يستغله أصحاب الآراء العتيقة.. وهوالذى سيجرعلى البلاد ارتباكًا قد ينقلب إلى شرمستطير» وطالب البعض أمثال الشيخ (شاكر) نتيجة ذلك النص بضرورة «اشتمال مواد الدستوربما يجعل أحكام الدين هى المُتفوقة على كل تشريع وأضاف: وبالتالى سيأتى وقت على سكان مصرفى هذا القرن العشرين، فتُقطع الأيدى والأرجل من خلاف.. والرجم بالحجارة.. ويكون السن بالسن والعين بالعين، نحن نُلفت النظروسنستمرعلى لفت النظرإلى الخطرالمحدق الذى يجىء عن طريق ذلك النص».. وبعد أنْ صدرالدستورواصل محمود عزمى، ذلك المفكرالمصرى الشجاع، دفاعه عن الأمة المصرية التى يجب أنْ تكون ليبرالية الفكروالسياسة، فكتب أنّ الدستورجاء» هجينًا يجمع بين الشىء ونقيضه، فالأمة مصدرالسلطات.. والملك له الحق مع المجلس النيابى فى التشريع.. ويوازن بين سلطة الملك الأوتوقراطية وبين سلطة الأمة ذات المضمون الديموقراطى.. وينص على أنّ حرية الاعتقاد مطلقة.. وفى نفس الوقت (ينص على) أنّ الإسلام هوالدين الرسمى للدولة.. وهكذا أصبحتْ البلاد فى مفترق الطرق.. وأصبح الدستور ثوبًا فضفاضًا.. ويسهل تأويله على أوجه عدة..إلخ (جريدة الاستقلال 22 سبتمبر 1922) وعن ظروف تكوين لجنة الدستور ذكرالرافعى أنه فى يوم19إبريل1923 ذهب يحيى باشا إبراهيم إلى سراى عابدين.. وقابل الملك وقال له: إنّ مصلحة البلاد تدعوإلى توقيع الدستور الليلة، فوقع الملك.. وكلف السلطان فؤاد عبد الخالق باشا ثروت بتشكيل الوزارة فى أول مارس 22 فكان رد ثروت باشا أنه لابد من صدورالدستور.. وأنْ يتضمّن إلغاء الأحكام العرفية..وألّفتْ وزارة ثروت باشا فى 3إبريل22 لجنة لوضع مشروع الدستوروقانون الانتخاب عهدتْ برئاستها إلى حسين باشا رشدى.. وتكوّنتْ اللجنة من 30 عضوًا ولذا سُميتْ لجنة الثلاثين و((هى فى مجموعها تنتظم طائفة من المفكرين وذوى الرأى.. ورجال القانون والعلماء ورجال الدين والسياسيين المُعتدلين)) أطلق الوفد عليها لجنة الأشقياء.. واعتذرالرافعى عن عدم عضوية اللجنة، لأنّ ((الدستوركان يجب أنْ تضعه جمعية وطنية تأسيسية تُمثل الأمة لا لجنة تؤلفها الحكومة)) وهذا ماورد فى برنامج عدلى باشا فى وزارته التى ألّفها فى مارس 21.. وكان ثروت باشا عضوًا فى تلك الوزارة ومُقرًا برنامجها (لذا) فإنّ ((وضع الدستوربمعرفة لجنة حكومية هوخروج على هذا البرنامج)) ثم حدثتْ محاولة للانقلاب على مشروع الدستوربمعرفة وزارة نسيم باشا، بأنْ أدخلتْ على المشروع بعض التعديلات الرجعية، مثل حذف النص على أنّ الأمة مصدرالسلطات..والتوسع فى صلاحيات الملك.. واستقالتْ وزارة نسيم باشا.. وكتب عبدالعزيزباشا فهمى عدة خطابات إلى يحيى باشا إبراهيم مُنتقدًا تعديلات نسيم باشا.. وصدرالدستوربمواده التى أقرّتها اللجنة. (عبدالرحمن الرافعى - مصدرسابق).