"بروني ويير" ممرضة أسترالية عملت قرابة عشرين عامًا في العناية بالأشخاص الذين آذنت شمس حياتهم بالمغيب، بعد فشل رحلة علاجهم، وفق تقدير الأطباء، فكانت تعاين لحظاتهم الأخيرة، بحكم وظيفتها، فتشجعهم، وتؤازرهم، ثم تسأل كلًا منهم: ما أكثر شيء ندمتَ عليه، أو وددتَ عمله، ولم تعمله، في حياتك؟. أجاب معظمهم بأن هناك خمسة أشياء، ودوا لو أنهم لم يعملوها، وفي مقدمتها: عيش الحياة التي أرادها الآخرون لهم، لا تلك التي أرادوها لأنفسهم، وإرهاق أنفسهم أكثر من اللازم في العمل، وعدم قيامهم بمنح الوقت الكافي للعائلة، والأقارب، وتفاصيل اهتمامات الأبناء، وكذلك عدم تقدير قيمة الأصدقاء، والاختيار السيء لبعضهم. في الوقت نفسه، أبدى كثيرون منهم ندمهم على عدم اتباع العادات الصحية في المأكل والسلوك، وعدم انتهازهم الفرص القليلة التي سنحت لهم، كي يقوموا بتغيير إحداثيات وظائفهم؛ نتيجة خوفهم من المجهول، علاوة على عدم إصرارهم، بالقدر الكافي، على تحقيق ما تطلعوا إلى تحقيقه في شبابهم. "بروني" جمعت هذه الأشياء في كتاب حمل عنوان: "الأشياء الخمسة الأكثر ندمًا عليها قبل الموت: The Top Five Regrets Of The Dying"، الذي تُرجم إلى 27 لغة. ولأن دراسات علم النفس تقول إن المرء في حالات الاحتضار يكون أقرب إلى الصدق مع الذات، ومع من حوله من أي وقت آخر، فقد جاءت كلماتهم بمثابة "اعترافات كبرى". حالة ما قبل الموت هذه تُسمَّى في الإسلام "حالة الاحتضار"؛ نظرًا لحضور الملائكة قبض روح الميت عند مغادرته للدنيا. وبالنسبة لنا في مصر والمنطقة العربية والإسلامية، فإن ما قيل لبروني إنما يدخل في باب الأمنيات الدنيوية للإنسان، عندما يكون في "حالة الإدراك المتأخر Hindsight"، بينما يندم المسلم، يوم القيامة، على كل لحظة، لم يستكثر فيها من الخيرات، والعمل الصالح. والأمر هكذا، يوجه خبراء التنمية البشرية، دعوتهم إلى الجميع بصفة عامة، والمتقدمين في السن بصفة خاصة؛ إلى حصر تفكيرهم في الوقت الحاضر، والاهتمام بالصحة واللياقة البدنية، والتواجد بانتظام وسط أشخاص إيجابيين، مع التركيز على كل حلول بديلة، ولزوم الجانب الإيجابي في كل موضوع، فضلًا عن الرضاء بما قدره الله، والتوقف عن جلد الذات، وعدم أخذ أي أمر على محمل شخصي. أخيرًا، لا يعلم الغيبَ إلا الله، وكل ما نملكه أن نعيش حياتنا بصدق، وألا نؤجل عمل ما نحبه، وأن لا نفرط في طاعة الله، وأن نعيش حياتنا كما أرادها الله، وليس كما يريدها الناس، وأن لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل. ذلك مع إطلاق العنان لمشاعرنا كي تعبر عن سعادتنا بالنعم التي نرفل فيها، وما أكثرها، علاوة على مشاركة من نحب، أجمل اللحظات، قبل أن نفقدهم، أو أن يفقدونا. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد