«مولد النبى بدعة».. و«حلاوة المولد بدعة».. عبارات دائمًا ما يبدأ المتشددون فى ترديدها ونشرها كل عام مع بداية شهر ربيع الأول شهر ميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وتزامنًا مع احتفال المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها بذكرى ميلاد نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وسلم، فنجد فريقًا من المحرومين لا هم لهم إلا نشر فتاوى متشددة، تقضى بتبديع وتحريم الاحتفال وشراء «حلاوة المولد» وإظهار السرور بميلاد خير خلق الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين، على الرغم من أن جمهور علماء المسلمين وأكابرهم قد أجمعوا على استحسان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم، وإظهار الفرح به. هانى ضوه، نائب مستشار مفتى الجمهورية، يقول فى هذا الشأن: لقد نسى هؤلاء المتشددون أن أول من احتفل بالمولد الشريف هو صاحب المولد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بصيامه يوم الاثنين، حيث قال حينما سئل عن صوم يوم الاثنين: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه الإمام مسلم، وغيره. فالاحتفال بالمولد «بدعة حسنة»، وقد استخرج أمير المؤمنين فى الحديث الحافظ ابن حجر العسقلانى لعمل المولد النبوى أصلا من السنة النبوية المطهرة، واستخرج الحافظ السيوطى أصلًا ثانيًا . ولا يصح أن يقال: كل شيء لم يفعله رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، سواء وافق شرعه أم خالفه فهو مردود، لا، بل لابد من التفصيل، لذا قال إمامنا مجدد القرن الثانى الهجرى محمد بن إدريس الشافعى رضى الله عنه: «المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة، والثانى ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة»، ومعنى كلام إمامنا الشافعي: أن هناك أمورا أحدثت توافق الكتاب أو السنة أو الأثر أو الإجماع فهى بدعة حسنة، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بعد أن جمع الناس على صلاة التراويح على إمام واحد: «نعمت البدعة هذه» رواه البخاري. وأضاف ضوة أن علماء الإسلام ألفوا كتبًا ومصنفات حول المولد النبوى الشريف والاحتفال به، حتى إن الإمام الحافظ ابن دحية جاء من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بمدينة إربل سنة 604 هجريًا، فوجد ملكها يعتنى بالمولد فألف له كتابا وسماه: «التنوير فى مولد البشير النذير»، وتوالى الحفاظ والعلماء على التأليف فى قصة المولد، فألف شيخ الحفاظ العراقى كتاباً فى المولد سماه: «المورد الهنى فى مولد النبي»، والإمام السيوطى ألف كتابًا بعنوان «حسن المقصد فى عمل المولد». فالعلماء والفقهاء والمحدثون والحفاظ كالحافظ العسقلانى والحافظ السخاوى والحافظ السيوطى وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتى الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد بخيت المطيعي، وكل من جاء بعده من المفتين، حتى علماء لبنان والشام كمفتى بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله، استحسنوا هذا الأمر واعتبروه من البدع الحسنة، فلا وجه لإنكاره، بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء». حلوى المولد أما حلاوة المولد ومظاهر الاحتفال، فيحتج هؤلاء المتشددون بأنها بدعة لأن أول من فعلها «العبيديون» الشيعة على حد زعمهم، رغم أن كتب علماء أهل السنة والمؤرخين ومنهم الإمام السيوطى وابن كثير والشوكانى وابن خلكان وابن دحية والذهبى وغيرهم، قد أكدوا أن أول من احتفل بالمولد النبوى الشريف بتلك المظاهر هو حاكم أربل (فى شمال العراق حاليًا)، الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى بن زين الدين على بن بكتكين، والذى وثقه علماء السنة بأقوالهم ووصفوه بأنه كان متواضعًا خيرًا سنيّا يحب الفقهاء والمحدثين، كما قال الذهبى «وكان يعمل المولد الشريف فى ربيع الأول، ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلًا» كما قال ابن كثير. فهؤلاء الذين يحرمون الاحتفال بالمولد وشراء الحلوى لأن العبيديين هم من كانوا يفعلون ذلك، استندوا فى ادعائهم إلى نقل وحيد عن «القزويني» المتوفى سنة 845 هجريًا، وضربوا بأقوال الأئمة والعلماء والمؤرخين عرض الحائط ،لأنه لم يأت على هواهم. نعم المولد «بدعة» ولكنه بدعة حسنة لها حلاوتها وفضلها، فالذين يحرمون الاحتفال بالمولد محرومون من حب سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ومشكلتهم أنهم يريدون من الناس أن يتركوا كل ما يتعلق بحب النبى صلَّى الله عليه وآله وسلم، كالاحتفال بمولده، وزيارته عليه الصلاة والسلام وعلى آله، ومدحه وصنع وشراء الحلوى وإدخال السرور على الأهل والناس. فكل ذلك يشير إلى تعظيم النبى صلى الله عليه وآله وسلم، إلى القدر الذى يستحقه، وهذا ليس غلوا ولا تفريطا، ألم يقرأوا قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح: «إنا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً».