لم تشهد لندن، منذ غزو العراق عام 2003، احتجاجات مثل التى تحدث فيها الآن للمطالبة بإجراء استفتاء جديد حول الخروج من الاتحاد الأوروبى. وتثير هذه الاحتجاجات سؤالاً محورياً, لم يجد طريقه بقدر كاف إلى أدبيات النظم السياسية، حول مدى حجية الاستفتاء العام فى التعبير عن الإرادة الشعبية فى قضايا يوجد انقسام حاد بشأنها. فالأغلبية التى وافقت على الخروج من الاتحاد كانت طفيفة لم تتجاوز 52%. وأدت التعقيدات المرتبطة بترتيبات هذا الخروج، وإفاقة قطاع من الذين أيدوه، إلى المطالبة بإجراء استفتاء جديد، الأمر الذى ينطوى على طعن فى حجية نتيجة الاستفتاء السابق، وليس فى النتيجة نفسها. ولذلك صار واجباً على علماء النظم السياسية إعادة بحث مسألة الاستفتاء العام، والعلاقة بينها وبين الانتخابات. وقد بدأ قليل منهم بالفعل فى بحث كيفية التعامل منهجياً مع نوعين من التعبير عن الإرادة الشعبية قد يؤديان إلى نتيجتين مختلفتين، وهما الانتخابات والاستفتاء. وهذا نقاش جديد ينطوى، فضلاً عن أهمية مضمونه، على دلالة لا تقل أهمية، وهى تراجع هيمنة الأمريكيين على حقل النظم السياسية المقارنة بعد أن استمرت لفترة طويلة وظلت إسهامات غيرهم فيه بمثابة رجع الصدى. فقد بدأ هذا النقاش فى أوروبا، ولم يمتد إلى الولاياتالمتحدة حتى الآن، لأن موضوعه ليس مألوفاً فى النظام السياسى الأمريكى، رغم أن الاستفتاء آلية معروفة يكثر استخدامها فى العالم منذ أن لجأ إليها نابليون الثالث لتحويل النظام الرئاسى فى الجمهورية الفرنسية الثانية إلى نظام امبراطورى عام 1852. ورغم هذه البداية السيئة لآلية الاستفتاء، فقد انتشرت فى العالم، وأدت دوراً إيجابياً حيناً وسلبياً حيناً آخر. ولكن استفتاء «البريكزيت» الذى وضعت نتيجته بريطانيا فى مأزق, يفرض التوسع فى النقاش الأكاديمى الذى مازال محدوداً حول مدى الحاجة إلى هذه الآلية، فى إطار سؤال محورى يمكن تلخيصه في: هل توجد حجية لاستفتاء قد تتأثر نتيجته بتوجهات مؤقتة، أو مواقف عاطفية أو انفعالية، وكيف يمكن تطوير هذه الآلية عبر أفكار جديدة من نوع إتاحة الفرصة لنسبة معينة من الناخبين للمطالبة بإجراء استفتاء ثان فى حالة حدوث أزمة مترتبة على نتيجة الاستفتاء الأول. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد