بكثير من الأمل، وقليل من التفاؤل، تصاعدت خلال الأيام الماضية الدعوات الأمريكية والغربية لايقاف الحرب فى اليمن لإفساح المجال لعقد جولة جديدة من المشاورات التى يفترض أن يعد لها المبعوث الدولى إلى اليمن مارتن جريفيث وتحتضنها السويد خلال شهر. وبغض النظر عن دوافع الدعوات ومدى ارتباطها بالتطورات والترتيبات الإقليمية أو الاستحقاقات الانتخابية فى بعض الدول، فقد تزامنت مع تصعيد عسكرى لافت على الأرض، سواء من جانب جماعة الحوثيين بإطلاق الصواريخ الباليستية إلى الأراضى السعودية، أو من جانب الحكومة الشرعية التى أطلقت عملية واسعة لتحرير الحديدة من قبضة الحوثيين وفتحت جبهات جديدة فى صعدة وحرض والبيضاء. وفيما تبدو المعلومات الواردة من ميادين القتال ضبابية ومتباينة فى ضوء إعلان الطرفين عن تحقيق انتصارات كبيرة، فإن عملية الحديدة ستحدد معطيات أى محادثات مرتقبة مع مؤشرات أولية عن تحضيرات قوية من الجيش اليمنى وتراجع وارتباك الحوثيين. قبل أيام، انطلقت بإسناد من قوات التحالف ثلاث عمليات عسكرية واسعة، الأولى لاستعادة مدينة وميناء الحديدة الاستراتيجي، والأخرى تهدف إلى السيطرة على خمس مديريات فى محافظة صعدة معقل جماعة الحوثيين فيما تستهدف العملية العسكرية الثالثة استكمال تحرير محافظة البيضاء. وتقول المصادر اليمنية إن قوات الجيش فى جبهة الملاحيظ بصعدة تقدمت نحو أكثر من 40 كيلومترا باتجاه قمة جبل مران، وحررت أكثر من عشرين قرية، إثر معارك عنيفة مع الحوثيين، لكن جماعة الحوثيين وعلى لسان الناطق الرسمى للقوات المسلحة التابع لها العميد يحيى سريع أكدت أن التحالف العربى تجرع هزيمة نكراء خلال الأيام الأخيرة فى الساحل الغربي، مشيرا إلى مقتل 113 عنصرا وجرح 156 من قوات التحالف المشتركة وتدمير 69 آلية عسكرية خلال إحباط زحفها فى جبهتى كيلو 16 ومطار الحديدة. ويعكس وصول نائب الرئيس اليمنى الفريق على محسن إلى مأرب مقر قيادة الجيش للإشراف الميدانى على تنفيذ خطة اقتحام الحديدة ملمحا مهما يؤكد تصميم القيادة اليمنية على تحقيق انتصار لافت هذه المرة بعد التعثر عدة مرات. وفيما يعد شروطا حكومية للتفاوض مع الحوثيين، رحب محسن بدعوات السلام وفقا للمرجعيات الثلاث المتمثلة فى المبادرة الخليجية وآليتها ومخرجات الحوار والقرار الدولى رقم 2216، وهى مطالب قد تتصادم مع توجهات الأممالمتحدة التى طالبت الأطراف اليمنية بعدم فرض أى شروط مسبقة لضمان نجاح المحادثات. ومن الواضح أن عملية استعادة الحديدة وصلت إلى مرحلة مفصلية من الناحية الاستراتيجية بات التراجع معها أمرا بالغ التعقيد مع تلاشى منطقة التماس بين الأطراف المتقاتلة، وتداخل مناطق الاشتباكات جنوب الحديدة وشرقها. وعلى صعيد العمل السياسي، يجرى المبعوث الدولى إلى اليمن مارتن جريفيث اتصالات مكثفة مع بعض الأطراف اليمنية والدولية للاتفاق على خطوات ملموسة للتعامل على وجه السرعة مع الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية فى اليمن. وتتبنى بريطانيا بالتعاون مع أمريكا وفرنسا مشروع قرار بمجلس الأمن الدولى للتعامل مع الأزمة الإنسانية فى اليمن ودعم الحوار الذى يقوده المبعوث الدولى إلى اليمن أملا فى التوصل إلى تسوية سياسية. ويعتبر الحوثيون، على لسان متحدثهم الرسمى محمد عبدالسلام، دعوات وقف الحرب بأنها فخ أمريكى لتخفيف الضغوط الدولية على قوات التحالف، كما تعتبر قيادات سياسية قريبة من الحكومة اليمنية الدعوات الأمريكية والأوروبية إلى إنهاء الحرب دون هزيمة الحوثيين عسكريا محاولة لإنقاذهم وشرعنة انقلابهم. ويسعى المجتمع الدولى إلى اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لوقف إطلاق النار وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية الخطيرة فى اليمن وإنقاذه من مخاطر مجاعة كبيرة قد تؤثر على 14 مليون شخص أو نحو نصف عدد السكان. وتفيد تقارير المنظمات الدولية بأن نحو 22 مليون شخص، أى نحو 75% من عدد سكان اليمن يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة والحماية الإنسانية، بما فى ذلك 4٫8 مليون شخص لا يعرفون من أين يحصلون على وجبتهم القادمة. وأفادت منظمة اليونيسيف بأن اليمن يشهد موت طفل كل عشر دقائق، وهناك 400 ألف طفل تحت سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم، و30 ألف طفل تحت سن الخامسة يموتون كل عام نتيجة أمراض كان يمكن منعها، وهناك أكثر من ستة آلاف طفل قتلوا أو أصيبوا بجروح خطرة منذ بدء الحرب عام 2015. وفى مؤشر يعكس تصميم القيادة اليمنية على استمرار العمليات العسكرية وتجاهل الضغوط الدولية، قال الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى من مقر إقامته الحالية فى الولاياتالمتحدة إن العمليات العسكرية النوعية ستتواصل حتى تحرير العاصمة صنعاء، وقريبا سيُرفع علم الجمهورية فى قمم جبال مران. ويعتبر المراقبون أن التطورات الحالية تهدف إلى تثبيت نقاط القوة على الأرض قبل الولوج فى المسار السياسى والعودة إلى مائدة المشاورات، من خلال فرض عناصر قوة جديدة فى مناطق النفوذ الحوثى بمحافظتى صعدة والحديدة ، وإجبار الحوثيين على التعاطى بجدية مع طروحات السلام ، غير أن ذلك ربما تكون تكلفته عالية جدا ونتيجته كارثية، وقد ينسف كل فرص التفاوض على المدى القريب إذا طالت فترة عدم الحسم.