وكأنما تلبسه عفريت، ظل ينتفض ويتحرك يمينا ويسارا وللامام مصدرا أزيزا لا ينقطع، فأمسكت به قبل أن يلقى بنفسه من اعلى منضدة وسدته إياها لأستريح منه ويستريح مني!! دون حماس أوتوقعات مسبقة أجريت أناملى على الشاشة لأستطلع الرسائل المتلاحقة فى هاتفى المحمول وجعلته «يفط وينط !!» رسائل وصور تحتفى ببدء عام دراسى جديد تندرج تحت بند الكوميديا السوداء و بتعبير أوضح نسبة التبكيت فيها تفوق التنكيت .. صورة لأطفال تحلو بالزى المدرسى و تم تحميلهم فوق سطح ميكروباص أو تحلقوا حول توك توك اختفت معالمه وراء أجساد هزيلة لطلبة أرادوا الوصول لمدارسهم فى توقيت مناسب فى أول يوم دراسى و بين صغير يبكى متوسلا تركه فى سلام لينام ربع ساعة، وآخر فقد حياته بسبب التدافع للجلوس على مقعد، و رسالة تبشرنا بحصول مصر على المرتبة الأخيرة فى تقييم اليونسكو لجودة التعليم !! فشلت فى التأكد من حقيقة خبر ظهور مصر فى الترتيب ال 140 فى التعليم لعام 2018 ولكن فى محاولة الوصول لمصدره وجدت نفسى غارقة فى صفحات لم يكن فى أى منها إحصائيات موثقة وإن حفلت بتصريحات صحفية حول تطوير التعليم، استلفت نظرى بينها تصريح د.طارق شوقى فى مايو2018وفحواه أن مصر الأخيرة عالميا فى تصنيف التعليم ، و تصريح ثان فى أغسطس من نفس العام على لسان د.طارق يؤكد رفع ترتيب مصر37مركزا فى التصنيف العالمى لجودة التعليم!! وبغض النظر عن حقيقة الرقمين المشار إليهما بأعلى وسبب تلك القفزة غير المتوقعة، لو أنها حدثت بالفعل، وعلاقتها بالخبر الأول الذى تم نشره فى مايو الماضى، بما يشى باحتمالية صدق الخبر الذى تلقيته للتو وإن لم أفلح فى التحقق من مصدره !!،فان مجمل كل ما سبق الإشارة إليه يطرح قضيتين ذاتى صلة وثيقة بموضوع المواطن الرقمى الذى عرضت له هذه السلسلة من المقالات خلال الأسابيع الماضية..أولاهما القدرة على التحقق من المعلومات التى تصل إلينا عبر تطبيقات الشبكة العنكبوتية ، والثانية شعار تطوير التعليم وإيجاد جيل من المبدعين، الذى يتكرر بصورة مستمرة دون أن نحدد بوضوح المفهوم أو الوسائل الفعالة المناسبة للتطوير كى يتحقق.. وإذا كان فشلى فى التحقق من المعلومة عبر التقنيات المتقدمة له مبرره باعتبارى احد المهاجرين للعصر الرقمي، فإن هذه القدرة تعد مهارة أساسية لابد أن يتقنها الشباب وحتى الأطفال وترتبط ارتباطا وثيقا بتطوير العملية التعليمية. ولعل فيما جاء على لسان الكاتب الأمريكى مارك برينسكى وهو يوصف مشكلة التعليم فى زمن الرقمنة ما قد يحدد لنا ملامح التطوير المطلوب فى العملية التعليمية .فقد أوضح برينسكى «أن استخدام الأدوات وتقنيات التكنولوجيا الحديثة فى المدارس ليس إلا مجرد ظواهر سطحية لا تعكس التغييرات المهمة فى البيئة التعليمية ولا الطلاب أو المجتمع». فطبيعة الطالب الذى يعتبر مواطنا أصليا بحكم ميلاده فى عصر الرقمنة تختلف عن طلبة العصر السابق الذين يعتبرون مهاجرين لعصر الرقمنة سواء من حيث الإدراك أو الاستيعاب، وهو الأمر الذى أكدته أكثر من دراسة تناولت تأثير القراءة الخاطفة والعرض المرئى التسلسلى، مشيرة إلى أن التكنولوجيا غيرت طريقة استيعاب المعلومة وتحليلها وتذكرها. ولعل ما سبق لا يؤكد فقط ضرورة تطوير المناهج وإيجازها دون إخلال بالمعلومة ودون استطرادات لا يستوعبها عقل طالب تم برمجته بشكل غير مباشر على عادات وسلوكيات فرضتها بيئة الرقمنة ، بل أيضا أهمية تغيير أساليب تقييم الطالب وإعداد المعلم لاستيعاب هذه المتغيرات وتطوير مهارات التدريس، وبالتالى التفكير وتحليل الرسائل التى تمطرنا بها الشبكة العنكبوتية والتأكد من مصدر المعلومة والوصول لإجابات محددة للأسئلة التى تطرحها، مثل تلك التى راودتنى عن حقيقة ترتيب مصر فى جودة التعليم، ولكنى مع الأسف حتى اللحظة مازلت أبحث دون نتيجة!!.. لمزيد من مقالات سناء صليحة