لعله يكون من المفيد أن أحكي طرفا من رواية مسيرتنا الصحفية المؤذية التي دفعتني إلي التشميرعن ساعدي عام1985 للترشيح نقيبا للصحفيين, مع معرفتي القاطعة باستحالة فوزي, متنافسة مع الأستاذ إبرهيم نافع, الذي كان وقتها رئيس تحرير جريدة الأهرام ورئيس مجلس إدارتها المعين والمدعم من السلطة الحاكمة. كما جرت العادة الشائنة, التي اخترعتها الحقبة الناصرية بدائها المتأصل في ضرورة التكويش بأن يكون رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية هو رئيس التحرير وهو نقيب الصحفيين, هكذا في كوب سم واحد بقوة سحق ثلاثية. كانت, تلك العادة, قد استتبت مع من قبله ومن بعده وبدت كأنها قدرنا الأبدي الذي لا فكاك من أيامه العكرة السوداء, فربما مع سطور الكلام يمكن لبعض الغاضبين من أحوال صحافتنا الآن أن يختصروا من جهامتهم ولو قليلا. وأول دافع حفزني لترشيح نفسي نقيبا كان رغبتي في تحقيق مطلب ملح هو مطلب كل أبناء مهنة الصحافة في كل الأزمنة والأمكنة ألا وهو: استقلال الصحافة وتحريرها من سيطرة أي قوة خارجية عنها سواء كانت قوة حكومية أو قوة حزب سياسي معين; لقد عشنا في الدائرة المفرغة لصراع قوي ديناصورية عاتية أرادت كل منها أن تأخذ النقابة في قبضتها لتحقيق مصالحها الخاصة بعيدا عن المصالح النقابية والمهنية للصحفيين; وكانت هذه القوي تتمثل في وجوه لسلطة سابقة تريد أن تستعيد توازنها أو وجوه لسلطة قائمة تريد أن تعزز مواقعها. بين هذه الوجوه المتصارعة للقوي المختلفة ضاع الوجه الحقيقي لمصلحة الصحفيين المهنية مجتمعين, وضاع الوجه المستقل للنقابة الذي يجب أن يعبر عن قوة الصحفيين المتحدة في مواجهة أي اعتداء علي الكرامة المهنية للصحفي أيا كان اتجاهه الفكري, ضاع حق الصحفي في أن يدافع عن كرامته وحرية رأيه متعشما أن يكون معه وخلفه سند نقابي يحمي ظهره في هذا الدفاع المشروع, وهكذا ظل الصحفي لسنوات في مزاد القوي المختلفة; تزايد علي حرية رأيه وتتاجر بالدفاع عنها في اللحظة ذاتها التي تسارع بإرسال برقيات التأييد والتهنئة لجهات لم تتوقف أبدا عن فصله تعسفيا ومنعه من النشر وتجميده بل سجنه والتنكيل به علي الأصعدة كافة, والنقابة والنقباء, صنائع السلطة الذين يعضون بالنواجذ علي موقع النقيب, لا يقدمون عونا ولا يدا خشية ضياع مناصبهم الأخري كرؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية. وكان السعي لكي يصير الصحفيون فائزين ومنتصرين ونقباء أن نكسر احتكار منصب النقيب الذي ظل طويلا وقفا علي المعزولين عن مهنتهم والمضيعين لحقوق زملائهم. في أصل القانون النقابي بند يمنع الذي يملك حق توقيع الجزاء من أن يكون نقيبا; ورئيس مجلس الإدارة في المؤسسة الصحفية يملك حق توقيع الجزاء فكيف ظل قانون نقابة الصحفيين يسمح لرئيس مجلس إدارة, يستحوذ في الوقت ذاته علي منصب رئاسة التحرير, بأن يرشح نفسه واثقا لمنصب نقيب الصحفيين؟ كيف سمح جمهور النقابة بتمرير الخطأ القانوني الفادح وتكريس ذلك العار الفاضح؟ لقد عشنا مرارة الحصار الذي التف حول عنق الصحفي العام وراء العام يخبط رأسه من حائط لحائط لحائط; إذا ما عن له أن يشكو رئيس التحرير يجده رئيس مجلس الإدارة وإذا عن له أن يشكو رئيس مجلس الإدارة يجده نقيب الصحفيين: الخصم هو الشاهد والحكم, وهكذا كان الحال ودام طويلا المزيد من مقالات صافى ناز كاظم