للأديب الإسكتلندى روبرت لويس ستيفنسون رواية خيالية شهيرة، تتناول الصراع بين الخير والشر داخل الإنسان، هى «دكتور جيكل ومستر هايد»، وقد نشرت للمرة الأولى فى لندن عام 1886م، وحازت اهتمام علماء النفس لما فيها من نظرة علمية للصراعات بداخل النفس البشرية, وحازت إقبالاً شديدًا من القراء فأعيد نشرها مرات عديدة، ولا تزال تنشر حتى اليوم. تتحدث الرواية عن عالم أخضع نفسه لتجارب سريرية، نتج عنها إصابته بانفصام الشخصية، فحينا هو د. جيكل الإنسان الوديع الخلوق، وتارة يتحول إلى مستر هايد الشرير الذى لا حدود لشره، وبين تناقضات الشخصيتين تدور أحداث الرواية، معرية النفس البشرية كاشفة دواخلها.وتذكرنى شخصية الرئيس الأمريكى رونالدو ترامب بمواقفها المتناقضة بهذه الرواية، فحين يتعلق أمر بالإسلام والمسلمين، نجد ترامب قد تحول إلى مستر هايد, ففى تصريحاته ومواقفه أثناء حملته الانتخابية نجد خطابًا عنصريًا متطرفًا ضد الإسلام والمسلمين، وفى خطاب تنصيبه صرح: «سنقوم بتوحيد العالم لمحو الإسلام المتطرف من على وجه الأرض»، وما لبث أن حول تصريحه إلى قرار بوقف دخول جميع اللاجئين ومنع مواطنى سبع دول إسلامية من وطء أرض أمريكا «الطاهرة». ويمكن تلمس هذا الانفصام فى الرؤية فى مواقف عديدة لترامب تكشف تناقضاته، فهو حين تتقمصه روح د. جيكل يدعو دول العالم إلى إشاعة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لكنه حين تتعارض هذه الحقوق مع مصالحه يتحول إلى مستر هايد، ويحاول إعادة أمجاد التعذيب فى جحيم معتقل جوانتانامو، وينسحب من مجلس حقوق الإنسان الدولي، لأن المجلس - على حد تعبير مندوبته فى الأممالمتحدة نيكى هايلي- لا يستحق اسمه، ولا يجد حرجًا فى أن يطالب العراق ببجاحة بسداد تكلفة الغزو الأمريكى له، ودفع ثمن القنابل التى خرب بها الأمريكان أرض العراق وقتلوا بها عشرات الآلاف من شعبه! وهذا الموقف البراجماتى الذى يصل إلى حد الوقاحة ليس بجديد على رؤساء أمريكا، فقد سبقه إليه الرئيس هارى ترومان، حين برر قرار ضرب هيروشيما ونجازاكى بالقنبلة الذرية بالحفاظ على استقرار الحياة فى أمريكا! لكن للحق فإن ترامب تفوق على ترومان فى غروره وصفاقته بإطلاقه تصريحات مهينة تمس زعماء وقادة دول أخرى ومحاولته ابتزازهم، فى تصرف مخالف للأعراف الدبلوماسية لم يشهده العالم قبلاً من رئيس دولة.وتتبدى براجماتية ترامب وتناقضاته فى تعامله مع ملف الصراع العربى - الصهيوني، فهو دومًا يتبنى الرؤية الصهيونية التى تجعل كامل التراب الفلسطينى حقًا خالصًا لليهود، وتنكر وجود الشعب الفلسطيني، وتطالبه بالبحث عن وطن بديل فبلاد العرب شاسعة، وفيما يعلن د. جيكل أنه راعى السلام بين الفلسطينيين والكيان المغتصب لأرضهم، ويدعو إلى حل الدولتين، يقوم «مستر هايد» بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان المدينة المقدسة عاصمة للكيان المزعوم، فى تحد صارخ للحقوق الفلسطينية المشروعة ولكل قرارات المجتمع الدولي. إن من العبث التعامل مع تصريحات ترامب وتناقضاته على أنها زلات لسان، فالواقع يقول إن الرجل لا يصرح إلا بما يعتزمه بالفعل، ويبلور فكر نظام عالمى جديد يتجاهل قوى أوروبا وروسيا، ويؤسس لهيمنة أمريكية - صهيونية على العالم معادية للإسلام والمسلمين. لمزيد من مقالات أسامة الألفى