كان من المفترض أن يحتفل المجتمع التعاونى فى مصر فى شهر سبتمبر الماضى بمرور نصف قرن على إنشاء أول جمعية تعاونية تعليمية فى مصر والعالم العربى فى مجال التعليم قبل الجامعى وهى جمعية المعاهد القومية. ولكن هناك تجاهل من قبل الاتحاد العام للتعاونيات والتعاونيين فى مصر لهذه الجمعية التعليمية، كما يوجد تجاهلا أيضا من قبل الجمعية للفكر التعاوني. والواقع أن هناك جهلا من قبل معظم أفراد المجتمع بوجود التعاونيات التعليمية بل الحكومة أيضاً، بدليل أن المجلس الأعلى للحركة التعاونية المصرية الذى تم تشكيله 2018 برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية مجموعة من الوزراء لم يضم وزير التربية والتعليم على الرغم من وجود نحو خمسين جمعية تعاونية تعليمية فى التعليم قبل الجامعي!وربما لا يعلم عن طبيعة هذه الجمعيات معظم العاملين بوسائل الإعلام. والسؤال ما هى المعاهد القومية كجمعية تعاونية؟ يطلق على كل رابطة مستقلة تضم عددا من الأشخاص طواعية لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة جمعية تعاونية، وتكون هذه المؤسسة مملوكة بصورة مشتركة وتسيطر عليها ديمقراطيا، وتقتصر هذه الجمعيات التعاونية على مجالات الزراعة والتعاون الاستهلاكى والاسكان...الخ ومعاهد التعليم العالي، أما فكرة تكوين جمعيات تعاونية لإنشاء مؤسسات تعليمية فى التعليم قبل الجامعى على غرار الجمعيات التعاونية الزراعية والاستهلاكية لم تكن معروفة لدى الكثيرين. وتعتبر مصر من الدول الرائدة فى هذا المجال حيث تم إنشاء جمعية المعاهد القومية التعاونية التعليمية فى 25/9/ 1968 أول جمعية تعاونية تعليمية فى مصر. ومازالت مدارس المعاهد القومية تعمل كجمعيات تعاونية وتضم حالياً 39 مدرسة موزعة بين محافظة القاهرة والجيزة والإسكندرية والمنيا وبور سعيد، لكل مدرسة جمعية مستقلة تحت إشراف الجمعية العامة ووزارة التربية والتعليم، وتضم هذه الجمعيات التعاونية 12 مدرسة ذات طبيعة خاصة، وهى المدارس التى تم تأميمها 1962، ويرجع إنشاء هذه المدارس إلى بداية القرن العشرين، وتعتبر هذه المدارس العريقة قيمة حضارية وتاريخية كبيرة لمرور أكثر من100 عام على إنشائها. تضم محافظة الإسكندرية ستا من هذه المدارس التى تخرج فيها العديد من الرواد والمشاهير، وتعتبر مدرسة فيكتوريا كولدج من أقدم وأعرق المدارس الإنجليزية بالإسكندرية، والتى تم إنشاؤها عام 1902 ولها شهره واسعة وتخرج منها ملوك وامراء (ملكة إسبانيا وملك الأردن السابق وغيرهما)، وتعد مدرسة الليسيه ببور سعيد واحدة من هذه المدارس الاثرية تم بناؤها 1910. وتعتبر هذه المدارس ثروة قومية لا تقدر بثمن, كما ترجع أهمية المدارس القومية إلى أنها تعليم تعاونى بمصروفات، أى أن الدولة لا تتحمل أى أعباء أو مصروفات مالية، كما أن التعليم التعاونى لايهدف إلى الربح حيث يقدم خدمة تعليمية جيدة مع مصروفات منخفضة تتلاءم مع شريحة كبيرة من المجتمع المصري، يستطيع من خلالها القادرون من الطبقة الوسطى تعليم أبنائهم فى هذه المدارس. والواقع يشير إلى أن التعليم فى مصر يعانى تفاوتا كبيرا ما بين تعليم حكومى مجانى غير جيد لغير القادرين ومدارس خاصة تدار كمؤسسات تجارية تعمل كمشروعات خاصة تهدف إلى تعظيم الربح وهى متاحة للطبقات القادرة كل حسب إمكاناته، وبين هذا وذاك تأتى المدارس القومية كحل أمثل لأبناء الطبقة المتوسطة. ومما يدعو للدهشة كيف يتم تجاهل الاحتفال باليوبيل الذهبى لهذه المدارس كأول جمعيات تعاونية تعليمية فى مصر رغم أهميتها الثقافية والاقتصادية. ويعتبر خبراء الاقتصاد والاجتماع أن الحركة التعاونية السبيل الوحيد لتجديد حركة المجتمع من خلال تحفيز المجتمع المدنى على المشاركة الفعالة لحل العديد من المشكلات التى تعجز الدولة عن توفير الدعم المناسب لها. لم يفت الأوان بعد للاحتفال باليوبيل الذهبى لإنشاء أول جمعية تعاونية تعليمية فى مصر والشرق الأوسط والعالم، لتأكيد ريادتنا ،ومازالت أمامنا الفرصة للاحتفال.. لذا أقترح الدعوة إلى عقد مؤتمر عام يدعى إليه المتخصصون من أساتذة الاقتصاد التعاونى وأساتذة التربية وعلم إدارة المؤسسات التعليمية والمهتمون بالادارة اللامركزية والمجتمع المدني، وذلك لتقييم التجربة والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها، والنظر فى إمكان التوسع فى هذا النوع من التعليم كأحد الحلول المطروحة لتشجيع مشاركة المجتمع المدنى فى حل مشكلات التعليم ،فمصر فى أشد الحاجة إلى تبنى هذا الفكر ،خاصة فى ظل فجوة التمويل التى تعانيها عملية تطوير التعليم. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرءوف رمضان