عموم الناس، أو «الرعية» حسب التعبير الفقهى فى كل مكان وزمان، أحلامهم دائما شديدة التواضع، وأحيانا مفرطة فى البراءة، ولكنها الأحلام فى كل الأحوال، تعبير عن آمالهم وأشواقهم، فى عالم لا يتذكرهم إلا فى محنه وعثراته وصراعاته، ولا شيء أقوى من الأمل، هو وقود الحياة والطاقة اللازمة، لحركة البشر إلى الأمام، من أجل تحقيق أحلامهم الصغيرة. أجمل الأحلام وأعذبها وأصدقها، هى تلك الأحلام الصغيرة، التى تسكن الأرواح، ولا تكف عن الشدو، حتى تتحقق، وتخرج إلى الحياة فى زهو وفرح، وهى لا تتعدى تحقيق الذات الإنسانية، بالحد الأدنى من الشروط، التى تكفل العيش بكرامة، بضمان فتح باب للرزق والعمل يكفى للإعالة، ويسمح بممارسة الإنسان بشريته وفطرته، فى الحب والزواج. المجتمعات التى لا تسمح بتحقيق تلك الأحلام الصغيرة، تفرض يأسا قاتلا على «الرعية»، خاصة الشباب منها، الذين يفقدون الأمل، ويفقدون معه أشياء أخرى كثيرة، يشكل غيابها خطرا داهما، وتهديدا مستمرا للمجتمع. إذا وئدت الأحلام الصغيرة، فلا مجال لأحلام كبيرة، ولا قيمة لأشياء كثيرة، ولا وجود للوطن إلا فى الشعارات والأناشيد، ويصبح الانتماء كلمة تثير السخرية، ويصبح الحلم أن تغادر الأحلام الصغيرة أشجارها العارية، إلا من أشواكها الحادة، التى لا تسمح ببناء عش، أو إطلاق شدو. فى الختام.. يقول الشاعر نزار قبانى: «كنت أتمنى أن أقابلك فى عصر آخر .. تكون فيه السلطة بيد العصافير»