بالتأكيد هناك فارقاً شاسعاً بين أن يتخذ أى فرد، فى لحظة جنونية, قرارا بإنهاء حياته برغبته, فيلقى بنفسه فى النيل أو أسفل عجلات قطار.. وبين أن يقدم على إنهاء حياته بيديه ولكن بدون رغبته ودون أن يعلم أيضا! فى الحالة الثانية يصبح الانتحار لا إراديا بالمرة.. بل على العكس من ذلك فإن الشخص فى هذه الحالة الثانية يتوهم قطعا بأنه يتناول علاجا للحفاظ على حياته أو لإنهاء آلامه التى يعانيها..! وهو ما يحدث فى سوق الجمعة بإمبابة!. صباح الأحد الماضى عرضت الإعلامية أسماء مصطفى فى برنامجها «هذا الصباح» على قناة «إكسترا نيوز» صورًا متداولة لبيع أدوية على الرصيف بسوق الجمعة فى إمبابة وذلك بعد يومين من تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى«فيس بوك» هذه الصورالتى أظهرت كما كبيرا من الادوية ملقاة على قطعة قماش كبيرة على الأرض بينما يقوم عدد من المواطنين بفحصها تمهيدا للشراء.. انتعاش سوق الأدوية العشوائية والمغشوشة، يرجع إلى الارتفاع الكبير فى أسعار الأدوية بالصيدليات حيث أصبحت الأسواق العشوائية للأدوية الملجأ الوحيد لبعض المرضى سواء من محدودى الدخل من أصحاب المعاشات الذين فوجئوا بتآكل دخولهم بعد تقاعدهم عن العمل، إذ ان أسعار الأدوية قفزت بصورة غير محتملة بينما أسعار المغشوشة أو المنتهية الصلاحية منها لا تتعدى ال50 قرشا للشريط، والأربعة شرائط بجنيه واحد. إقدام هؤلاء المواطنين, ضحايا ارتفاع الأسعار, على شراء هذه الأدوية المغشوشة أو منتهية الصلاحية هو انتحار غير إرادى حتى ولو لم يتحقق فى نفس اللحظة ودام فترة طويلة بعض الشيء لتكون النهاية إصابة الضحية بالفشل الكبدى القاتل. وعلى الرغم من أن إدارة التفتيش الصيدلى بوزارة الصحة ليست لها قانونا أى سلطة علي الباعة الجائلين إذ يخضعوا لرقابة وزارة التموين إلا أن وزارة الصحة هى المتهم الرئيسى فى هذه المأساة حتى ولو كانت بدايتها منذ سنوات، أى قبل تولى الدكتورة هالة زايد منصب وزير الصحة حاليا، إذ ترجع إلى فترة تولى الدكتور احمد عماد منصب الوزير. الأمر ليس مجرد اتهام للوزير السابق بل حقيقة مؤكدة إذ انه عقد 3 اتفاقيات مع شركات توزيع الأدوية لإنهاء سحب منتهية الصلاحية منها من الأسواق وذلك خلال سنة واحدة، للتأكد من عدم إعادة تدويرها أو استخدامها بما يضر حياة المرضى غير أن هذه الاتفاقيات لم تر النور وتحولت إلى مجرد حبر على ورق، ورغم ذلك أدار الوزير وقتها ظهره لهذه الظاهرة ولم يستجب لتلك التحذيرات. وبسبب عدم التزام الشركات والموزعين باسترداد هذه الأدوية اضطر بعض الصيادلة لإلقائها فى القمامة حتى لا تتراكم فى صيدلياتهم، مما يؤدى إلى تسربها لهذه الأسواق العشوائية .. أسواق الأدوية منتهية الصلاحية نمت وانتشرت فى مناطق عدة ومنها محطة مترو المعادي، وسوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة وبجوار مسجد الفتح بميدان رمسيس وأماكن أخرى سواء فى القاهرة أو الجيزة فما بالك بالأقاليم. الأمر لا يقف عند ظهور هذه الأسواق القاتلة فهناك أدوية تُباع على «السوشيال ميديا» واعلانات التليفزيون ولا أحد يبالى إذا ما كانت سليمة أو فاسدة فإلى متى سيستمر بيع الدواء بتلك الطريقة ؟! فالدواء لا يجب التعامل معه باستهتار، ويجب ألا يوجد فى أى مكان بسهولة وخاصة أنه منتج يتأثر بطريقة تخزينه غير الصحيحة، وتكون له أضرار مدمرة على صحة الإنسان، وهو أمر يتطلب إصدار قرار بمنع صرف الأدوية دون روشتة طبية إلى جانب تشديد الرقابة على الصيدليات للتأكد من اعدام الأدوية المنتهية الصلاحية التى يشكل استمرار وجودها كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة. ويقدر الخبراء قيمة الأدوية المنتهية الصلاحية بنحو600 مليون جنيه فى السوق المصرية، بينما لا تستطيع وزارة الصحة التدخل للتخلص منها لأسباب مجهولة حتى الآن وتلك القضية مثارة منذ نحو 3 سنوات وكان يجب أن تعود إلى «الشركات» المصنعة لها باعتبارها أصبحت سامة قاتلة..! سبب آخر لظهور هذه الأسواق يرجع إلى أن هناك نحو 20% من الصيدليات فى مصر فقط هى التى يتابع الصيدلى بنفسه عملية بيع الأدوية بينما تعتمد 80% من الصيدليات على خريجى الدبلومات والثانوية للبيع بالصيدلية ومن هنا تبدأ الخطورة لأنه من المحتمل أن يتم تسريب الدواء الذى اقتربت صلاحيته على الانتهاء إلى السوق بجانب أن هناك كثيرا من الأدوية المسروقة من المستشفيات تباع على الأرصفة مختومة بخاتم خاص بمستشفيات وزارة الصحة وغالبا ما تكون قد قاربت على انتهاء صلاحيتها أو أنها فسدت بالفعل لعدم الالتزام بأسلوب تخزينها الصحيح. الأمر لا يجب السكوت عليه، فإذا كان الرئيس السيسى قد أصدر مبادرته الإنسانية «100 مليون صحة» فإن تخاذل وزارة الصحة ونقابة الصيادلة فى إنهاء هذه الظاهرة كفيل تماما بالقضاء على تلك المبادرة.. ولك الله يامصر ولمواطنيك السلامة دائما..! لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش