هل يخيل إليَّ أم أن الأمر حقيقى أن إدارة أخطر القضايا الحيوية والمصيرية تحتاج إلى حزم وانضباط والتزام تسبقها رؤية ودراسات يشارك فيها الخبراء والمتخصصون الذين تفيض بهم مصر فى جميع مجالات العلم والمعرفة.. أين القوانين الحاسمة والباترة لأشكال من الفوضى واللامبالاة التى لا تجد من يحاسبها ويضع نهاية لها... وتزداد المأساة عندما تكتشف أحيانا أن هناك قوانين لا تطبق! كيف نفسر أنه رغم ما يقال الآن عن ثورة لم تحدث من قبل فى تاريخ التعليم لم تختف مراكز التعليم الخاصة التى يطلقون عليها «سناتر» ولم يصدر قانون يجرمها ويأخذ بأسباب إصلاح أحوال المعلم ماديا ومهنيا، ويعيد المدرسة محورا أساسيا لحدوث ثورة حقيقية فى التعليم وتُدعى الأسر التى تدفع مليارات فى الدروس الخاصة إلى مشاركة الدولة فى دعم وتقوية دور المدرس وحال المعلم وجعل المدرسة مركزا كما كانت لدروس ومجاميع التقوية بأسعار فى متناول جميع مستويات الأسر، ولزيادة دخل المعلم وبما يسهم فى تراجع التمييز التعليمى الأخطر من التمييز الطبقي، ولا أعرف كيف لا ندرك الآثار الكارثية للتمييز التعليمى وهذه الأشكال المتعددة لصفوف ومستويات التعليم والتى تعمل وراءها مؤسسات وكيانات دولية تتسابق للانتشار وأحدث ما قرأت ما نشرته الأهرام 8 أكتوبر الحالى بعنوان «المدارس الدولية الحكومية تحت التجريب» وأن وزارة التربية والتعليم وقعت اتفاقية مع مؤسسة المدارس الدولية لافتتاح 9 مدارس حكومية فى 21 أكتوبر الحالى تبدأ بمرحلة الروضة على أن يكون المنهج مصريا يطبق عليه منهج البكالوريا الدولى فى طرق التدريس العالمية باللغة العربية مع الاهتمام باللغة الانجليزية فى المستوى الرفيع والالتزام بألا تتجاوز كثافة الفصول 25 طالبا. ولا أعرف ما هى الفروق التى ستنعكس على الأجيال بين من يتلقون هذا التعليم.. ومن يتعلمون فى المدارس الحكومية والمدارس التجريبية واليابانية ومدارس النيل ومدارس ومعاهد التعليم الأزهري، من منا لا يريد نهضة تعليمية ولكن يجب أن تحكمها ضوابط وأولويات ضامنة لتقليل الفروق والامتيازات وتعميق الانتماء ويعد هذا الهرج والصخب الحادث حول التعليم خلافا واتفاقا لماذا لا يستجاب لدعوة العالم المصرى الكبير د.محمد غنيم، عضو المجلس الاستشارى العلمى برئاسة الجمهورية، والذى أعد دراسة من أهم ما قرأت حول تطوير التعليم والذى دعا فى حوار فى صحيفة الأخبار 30/9 لإنشاء مفوضية للتعليم تتبع رئيس الجمهورية، وأرى أن أولى وأهم مهمات هذه المفوضية التى يجب أن تضم أكبر خبرائنا وعلمائنا أن تقوم بتقديم ايجابيات وسلبيات ما يحدث للتعليم الآن ودعم ما يستحق الدعم وتصويب ما يحتاج إلى تصويب. أعود إلى تساؤلى الذى بدأت من عنده حول غياب القوانين الحاكمة والضابطة للفوضى والأخطار التى تملأ حياتنا ولا تجد من يضع حدا لها ومن خلال ما يعلن عن ثورة على الوقائع والأحوال الصحية الشديدة التخلف وأهمية المشروع القومى للقضاء على فيروس سى والدعوة لتناول العلاج المجانى لمجموعة من الأمراض الخطيرة كالسكر والضغط .. سؤال مهم قبل أن أستطرد ماذا يفعل من لا يستطيعون الاستفادة بأنظمة العلاج المجانية مع ما وصلت إليه أسعار الدواء؟!أرجو أن ينجو من أشكال الفساد المعروفة ليصل العلاج والإنقاذ بالفعل لكل من لا يستطيع أن يجد العلاج والدواء مجانا... ولكن ماذا تفعل بقية القاعدة العريضة من المصريين وقد أصبحوا بالفعل من فئة «من لا يستطيعون»؟! وسط هذه المحاولات الجادة لتغيير الواقع الصحى الكارثى لماذا يلجأ المواطن إلى مراكز علاج خاصة وأغلبها بلا ترخيص وأغلبها أيضا بلا أدنى شروط الصلاحية والمهنية دعك من شروط الجودة الطبية التى أصبح من الضرورى توافرها حتى فى أصغر مركز طبى فى البلدان العربية الشقيقة.. فى 9/10نشرت المصرى اليوم مأساة وفاة طفلة وإصابة 8 أطفال بنزيف بعد أن قام بإجراء عملية اللوز لهم وفق المنشور طبيب لا يجوز له إجراء جراحات لأنه حاصل على بكالوريوس طب فقط ولم يكمل دراسته العليا؟!! بالفعل أحال محافظ الدقهلية الحادثة إلى النيابة ولكنه لا يستطيع أن يعيد الطفلة إلى الحياة ويقال إن إيقاف المستشفيات الخاصة أو المراكز المخالفة ينتهى بغرامة مالية لا تذكر؟! أين القوانين الرادعة.. ألا يجب أن يكون جزءا من الثورة الطبية التى تحدث الآن حماية أرواح المواطنين من مراكز ومستشفيات الموت. وإغلاقها نهائيا ما لم تتوافر شروط الجودة وتوفير مراكز طبية تتوافر لها شروط الأمان والجودة بأسعار تنقذ المواطن من الأرقام الخرافية التى وصل إليها العلاج فى المستشفيات؟! لا حصر لأخطار وكوارث الفوضى والانفلات والاستهانة واللامبالاة بالقوانين إذا وجدت إلى درجات تدمر ما يجب أن يكون لدى المواطن من إحساس بالأمان والاطمئنان وتعمق الإحساس بغياب قدرة الدولة على إدارة وضبط أمور وقضايا مصيرية.. من يصدق أن رئيس الوزراء يتلقى شكاوى عدم إزالة القمامة؟!! ومافيا «التوك توك» تصل إلى أكبر الشوارع والميادين وتصنع جيلا شبه عاطل... وفوضى تضرب إعلاما خاصا فقد القدرة على التأثير والفاعلية والتصدى بعمق وشفافية للقضايا الجوهرية. أكتب ومازالت تتجلى فى نفسى أصداء ما سمعت وقرأت من حكايات الجبابرة العظام من أبطال حرب وانتصارات أكتوبر، والتى كان الحزم والجدية والانضباط واحترام وتطبيق القوانين من بين مالا يعد ولا يحصى من العوامل والأسباب وراء هذه البطولات التى يجب كما دعوت دائما أن تتحول إلى دراما ترقى إلى ما حدث من إعجاز وإبداع للمقاتلين وللجيش وللشعب وأن تتحول أيضا إلى أفلام تسجيلية نحفظها حية وموثقة للأجيال مع التحية لروح مبدعة رائعة ورائدة لهذا الفن وكاتبه... العزيزة الراحلة عطيات الأبنودى. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد