تتفرد قازان، عاصمة جمهورية تارستان الروسية، والعاصمة الاسلامية لروسيا، وثالث المدن الروسية، وعاصمة الرياضة التى أنجبت أكبر عدد من أبطال الرياضة الروس، بكونها على مدى ما يزيد على ألف عام رمزاً للسلام والتسامح بين الأديان والثقافات، وفيها تمتزج الحضارتان الشرقية والغربية، وتتعانق المساجد والكنائس فى لوحة إنسانية ومعمارية رائعة، حيث يشكل المسلمون 54% من سكان تتارستان، البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة. وقد شهدت تتارستان قفزات واضحة فى المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية وتصدرت، إلى جانب موسكو وبطرسبورج، تصنيف أكثر الأقاليم الروسية تطورا فى مجال التكنولوجيا والمبتكرات، وبها أول جامعة لتكنولوجيا المعلومات فى روسيا، وتسعى إلى تطوير العاصمة قازان لتصبح المدينة الذكية للقرن الثانى والعشرين ومركزا جديدا للأعمال على مستوى روسيا. هذا إلى جانب النهضة العمرانية الكبيرة، لاسيما على مستوى إحياء التاريخ الاسلامى للمدينة كبناء مسجد «قل شريف»، ثانى أكبر مساجد أوروبا، داخل مبنى كرملين قازان (قصر الحكم)، إضافة الى المنشآت الرياضية الضخمة المشيدة حديثا لاستضافة الألعاب الأولمبية الجامعية 2013 (يونيفيرسياد)، وبينها إستاد قازان ايضا الخلاب بتصميمه والذى استضاف مجموعة من مباريات كأس العالم لكرة القدم، وبطولة العالم للألعاب المائية عام 2015. وقد احتضنت قازان العديد من الفعاليات المهمة على النحو الذى أصبحت معه شرياناً لتعزيز التعاون بين روسيا والعالم الاسلامي، كان من أبرزها القمة الاقتصادية الدولية العاشرة «روسيا والعالم الإسلامي»، فى مايو الماضي، بين كبار المسئولين الروس ونظرائهم من أكثر من 53 دولة، والتى ركزت على ضرورة إيجاد فضاء اقتصادى جديد بين موسكو وعواصم العالم العربى والإسلامى وكسر الحواجز التى تعيق الاستثمار الحر. وتعد تارستان من أغنى الأقاليم الروسية بالنفط والمياه العذبة والثروات الطبيعية. وبدأ استخراج النفط بها منذ عام 1943 وتنتج 700 ألف برميل يومياً، وجار التوسع فى صناعة النفط وحفر آبار جديدة بأحدث تكنولوجيا فى هذا المجال. وبلغ إجمالى الناتج المحلى لتتارستان نحو 45 مليار دولار بمعدل نمو سنوى 5.5%. وهناك آفاق رحبة لدفع التعاون بين مصر وتتارستان، حيث تعد الأخيرة مركزا صناعيا متقدما فى روسيا، وترحب هيئة تشجيع الاستثمار وغرفة التجارة والصناعة بها بدفع التعاون مع مصر فى مختلف القطاعات الزراعية والاستثمارية والمناطق الحرة، وهى أيضاً سوق مهمة للمنتجات المصرية حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وتتارستان 228 مليون دولار عام 2017. وعلى هامش القمة الاقتصادية المشار إليها تم فى فعالية ثقافية مناقشة مختلف جوانب التقاطع بين وسائل الإعلام والدين. وتبادل المشاركون من روسيا ومختلف دول العالم تجربتهم الشخصية فى تأسيس وسائل إعلام دينية، بالإضافة إلى خصوصيات اختيار محتوى هذا النوع من وسائل الإعلام. وبالنسبة إلى روسيا، تعد تجربة إنشاء وسائل إعلام دينية، وأيضا عقد مثل هذه الفعاليات، أمرا جديدا تماما، ومناسبة تجمع ممثلى وسائل الإعلام ورجال الدين من جمهوريات روسيا الاسلامية، داجستان والشيشان وتتارستان، ومناطق أخرى من البلاد لتبادل الخبرات والتعرف على ما لدى وسائل الإعلام الدينية الأجنبية. واقترح المفتى العام لجمهورية تتارستان، كاميل ساميحولين، إنشاء منصة موحدة لمناقشة قضايا التفاعل بين الدين ووسائل الإعلام، وكذلك لوضع مقاربات لتغطية الموضوعات الدينية بشكل صحيح، حيث إن تشويه المصطلحات الإسلامية أحيانا يؤدى إلى تشويه فهم الإسلام نفسه. وتواجه تتارستان كغيرها تهديداً من الجماعات الارهابية التى تحاول أن تنشط على أراضيها، ومنها حزب التحرير الارهابي، وجماعة التبليغ الارهابية وغيرها. كما تزداد أعداد الدواعش النازحين إلى جوارها القريب على الحدود الأفغانية الطاجيكية، وكان زامير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسى مدير إدارة آسيا الثانية بالخارجية الروسية، قد أعلن فى 23 ديسمبر من العام الماضي أن تنظيم »داعش« تمكن من زيادة وتعزيز قوته فى أفغانستان بشكل كبير ووصل تعداد عناصر التنظيم ما يزيد على 10 آلاف شخص، وأن هذا الرقم يزداد باستمرار بسبب المسلحين القادمين من سوريا والعراق. وأن فصائل مسلحى «داعش» تتمركز بشمال أفغانستان، فى المحافظات المتاخمة للحدود مع طاجيكستان وتركمانستان، خاصة محافظتى جوزجان وسارى - بول. ومن المعروف أن «داعش» يعلن صراحة أنه يهدف لنشر نفوذه خارج حدود أفغانستان، التى يعدها بمنزلة قاعدة الانطلاق، الأمر الذى يشكل تهديدات أمنية خطيرة، لاسيما بالنسبة لجمهوريات آسيا الوسطى والأقاليم الجنوبية من روسيا، ومنها تتارستان. فى هذا السياق وانطلاقاً من الشعور بالمسئولية التاريخية فى هذه المرحلة الفارقة التى تشهد هجمة شرسة من جانب الارهابيين وتجار الدين ومدعى الاسلام، تقود قازان حراكا مهما وجادا باتجاه العالم الاسلامى لمواجهة التهديد الذى تمثله الجماعات الارهابية والمتطرفة على الأمن والاستقرار العالمى خاصة الدول الاسلامية التى تعد الساحة الأساسية للتجنيد وتجديد دماء هذه الجماعات. وتعد مجموعة الرؤية الاستراتيجية روسيا - العالم الاسلامى ركيزة أساسية فى هذا الصدد، بعدها تشكلت المجموعة عام 2006 بجهد من رئيس الوزراء الروسى الأسبق يفجينى بريماكوف وبمشاركة شخصيات حكومية واجتماعية بارزة من 27 دولة إسلامية، منهم رؤساء وزراء سابقون ووزراء خارجية، وعدد من الشخصيات الإسلامية المعروفة، بهدف تعزيز التعاون بين روسيا والعالم الاسلامى لمواجهة التحديات المشتركة وفى مقدمتها الارهاب. يحمل الرئيس رستم مينيخانوف، رئيس جمهورية تتارستان ومجموعة الرؤية الاستراتيجية روسيا العالم الإسلامي، حصاد كل هذه الفعاليات خلال زيارته مصر، طارحاً رؤية جادة لدعم التعاون معها على الصعيدين الاقتصادى والأمنى على النحو الذى يعزز أمن واستقرار الجانبين ويدعم جهودهما باتجاه التنمية الشاملة والمستدامة. لمزيد من مقالات د. نورهان الشيخ