نجحت نيكى هيلى مندوبة أمريكا المستقيلة لدى الأممالمتحدة فى اجتذاب الأنظار مجددا، وإثارة الدهشة بتقديم استقالتها المفاجئة من منصبها، وتخليها عن موقعها كأهم سيدة فى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. فعلى مدار عامين، كانت هيلى بمثابة خط الدفاع الأمامى عن الكثير من مواقف ترامب المثيرة للجدل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو ما عكس قوتها وثباتها وقدرتها على المواجهة. وعلى النقيض من الوزراء والساسة الذين رحلوا عن إدارة ترامب مطرودين ومنبوذين، جاء وداع ترامب لهيلى بمثابة إشادة سياسية قوية بدورها خلال الفترة الماضية، مما زاد من حدة الجدل حول الأسباب التى دفعتها للرحيل فى هذا التوقيت تحديدا. ففى الوقت الذى بدأ فيه ترامب فى دراسة المرشحين المحتملين لخلافة هيلي، وعلى رأسهم الأمريكية من أصل مصرى دينا باول الخبيرة الاقتصادية البارزة والمستشارة السابقة فى إدارة ترامب، استاء كثير من الجمهوريين من هذا الانسحاب المفاجئ، الذى يأتى قبل أسابيع قليلة من انطلاق انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، بل تفسد أجواء النصر واحتفالات ترامب والجمهوريين من خلفه بفوز مرشحهم بريت كافانو بعضوية المحكمة الأمريكية العليا، فخروج أهم سيدة من الإدارة يتزامن مع الجدل المثار حاليا حول علاقة إدارة الملياردير الأمريكى بالمرأة ومدى احترامه لها، خاصة بعد الجدل الذى أثاره كافانو خلال استجوابه فى الاتهامات الموجهه له بالتحرش الجنسى، ناهيك عن تصريحات الرئيس الأمريكى التى صاحبت هذا الجدل، حيث اعتبر أن “هذا العصر صعب بالنسبة لأى شاب يمكن أن تفسر أى حركة منه على أنها تحرش”، إلى جانب سخريته المستمرة من كريستينا فورد التى اتهمت كافانو بالتحرش بها عندما كان مراهقا قبل عقود. ولكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأ الكثيرون فى البحث عن إجابات مقنعة ومحتملة، خاصة أن هيلى ستترك منصبها رسميا فى نهاية العام، فلماذا الإعلان عنها فى هذا الوقت السياسى والانتخابى الحرج؟ فبعيدا عن مزاعم هيلى بأنها تبحث عن الراحة بعد نحو 18 عاما من العمل العام سواء كحاكم لولاية ساوث كارولاينا أو كسياسية ومندوبة لأمريكا فى المنظمة الدولية، يرجح البعض أنها تستعد لشغل مقعد فى مجلس الشيوخ الأمريكى فى حالة اختيار ترامب للسيناتور ليندسى جراهام لشغل منصب وزير العدل خلفا للمدعى العام الحالى جيف سيشنز. ووفقا لصحيفة “ذا هيل” الأمريكية، فإن هيئة الرقابة الحكومية المعروفة باسم “مواطنون من أجل المسئولية والأخلاق فى واشنطن” قد بعثت بخطاب إلى وزارة الخارجية تطالبها بالتحقيق فيما إذا كانت هيلى قد التزمت بقواعد المعمول بها لقبول الهدايا، مشيرة إلى أن هيلى حصلت على رحلات مجانية على طائرات خاصة، الأمر الذى يعرضها لمصير توم برايس وزير الصحة الأمريكى السابق الذى أطيح به للأسباب نفسها. إن ابتسامة هيلى الهادئة ورغبتها الأكيدة فى الرحيل، ربما تأتى كرغبة فى الحفاظ على صورتها كواحدة من الصقور فى إدارة ترامب، فوفقا لرؤية ال”سي.إن.إن”، فإن المؤشرات تؤكد أن مساحة الحرية التى تتمتع بها هيلى ستتراجع وتتقلص مع الوقت، خاصة فى ظل إحكام جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى قبضته على مجريات الأمور داخل البيت الأبيض وسياسات ترامب الخارجية، حيث تجلت الخلافات فيما بينهما فى أكثر من موقف ربما أبرزها الإعلان عن العقوبات الأمريكية على روسيا. لقد حرصت هيلى على تبديد أى تكهنات بشأن خلافات محتملة بينها وبين ترامب عندما أكدت أنها لا تعتزم منافسة ترامب خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بل على النقيض فستكون من أبرز المؤيدين والداعمين له فى المستقبل، لتقابل بإشادة وتقدير غير مسبوقين من ترامب. إن ترحيب الرئيس الأمريكى الواضح برحيل هيلى، بالرغم من أدائها المميز خلال الفترة الماضية، ما هو إلا دليل على أن هذا الانسحاب يأتى فى الوقت المناسب. فإدارة ترامب تحتاج على الأغلب واجهة أكثر هدوءا فى المرحلة المقبلة، وهذا ما ترجحه الترشيحات، سواء كانت لدينا باول أم للسفير الأمريكى فى ألمانيا ريتشارد جرينيل.