مع طلوع الشمس، تستيقظ الصديقتان الكفيفتان «شهد وإيمان» لاستقبال يوم دراسى جديد, وبخطوات مدروسة، تتحسس كل فتاة طريقها لارتداء ملابسها، والاستعداد للذهاب إلى مدرسة المكفوفين بالجيزة.. رحلة شاقة تتحملها كل أم لهما لتفادى عقبات السير والطريق، فهما يتبادلان توصيلهما للمدرسة، فالفتاتان جارتان فى المسكن وفى الدراسة أيضا, يتشاركان نفس الفصل منذ الطفولة إلى المرحلة الإعدادية, حتى أحلامهما مشتركة بدخول كلية الإعلام، والعمل فى مجال الإذاعة, وتبذلان كل الجهد من أجل تحقيق ذلك الحلم. تأخير طباعة وتسليم الكتب المدرسية لهاتين الفتانين باتت عقبة أخرى فى طريقهما, فالأزمة ليست وليدة هذا العام فقط، بل منذ عام 2016 بسبب سحب وزارة التربية والتعليم طباعة الكتب من المركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين (قصر النور). ويشكو أولياء أمور الطلاب وهم الحلقة الأضعف والضحايا الفعليون فى هذه الأزمة, تحدثنا مع والد إحدى الفتاتين– وهو كفيف أيضا- والذى قال: ابنتى شهد متفوقة فى الدراسة وحاصلة على منحة دراسية فى الجامعة الأمريكية, وكنت أتولى مراجعة دروسها حتى الصف الخامس الابتدائى نظرا لتوافر الكتب المدرسية, ولكن منذ بدء الأزمة تولت والدتها - مبصرة - متابعتها, ولجأنا لشراء الكتب الخارجية الخاصة بالمبصرين وكتابتها على الكمبيوتر ببرنامج «وورد» وطباعتها بأسلوب برايل, فالكتاب الواحد يستغرق نحو شهرين حتى يتم إدخاله على الكمبيوتر, كما أن الورق الخاص بطباعة برايل غال وغير متوافر. «مركونة فى المخازن» «نفسى أوصل صوتى لحد من المسئولين» هكذا بدأت والدة الفتاة الأخرى إيمان شكواها متحدثة عن معاناة ابنتها التى تدرس بالصف الثالث الإعدادى بمدرسة المكفوفين بسبب تأخير الكتب المدرسية, مما يضطرها إلى الاعتماد على الكتب الخارجية حيث تقول: سعر كيلو الورق وصل إلى 20 جنيها، وقليلا ما نجده، ويباع فى «قصر النور» بجنيه ونصف وسرعان ما ينفذ من شدة الإقبال عليه، مضيفة أن تكلفة طباعة الكتاب الواحد تصل إلى حوالى 80 جنيها, ومع ذلك «راضيين», والمشكلة فى استغلال احتياج أولادنا للأدوات الدراسية من قبل البعض, فالمكتبة ( قطعة بلاستيك بها خروم تساعد المكفوفين على الكتابة) كانت تباع ب 120 جنيها ووصل سعرها الآن فى السوق إلى حوالى 500 جنيه، إن وجدت, وسعر الآلة الكاتبة الخاصة بطريقة برايل والتى تسهل على الطفل تعلم الكتابة وصل إلى 25 ألف جنيه, لافتة إلى استلام المدرسة آلات كاتبة للأطفال من متبرعين ولكنها «مركونة فى المخازن» لكونها «عهدة»!. «كفاية ضلمة على ولادنا» حينما تواصلنا مع والدة أمنية الطالبة بالصف السادس الإبتدائى بنفس المدرسة اعتقدنا أن مشاكل الأطفال أقل من المرحلة الإعدادية, ولكن انفعال الأم كشف لنا حجم المعاناة الحقيقية حين قالت: فور انتهاء الفصل الدراسى الأول للصف الخامس نبدأ رحلة معاناة البحث عن كتاب الصف السادس حتى يتم طباعته بطريقة برايل فى ميعاد دخول ابنتى المدرسة, وتكمل: «سنة سادسة شهادة ومحدش راضى يفرط فى كتب ابنه», مؤكدة أنها لم تستطع الحصول على أى كتاب لابنتها هذا العام, متسائلة بحسرة «مش كفاية ضلمة على ولادنا؟». وأنهت والدة أمنية حديثها بمناشدة المصانع الحربية تصنيع آلات برايل للكتابة حتى تكون فى متناول الأسر البسيطة, فالآلة الكاتبة سريعة فى التعلم وغير مجهدة للطلاب مثل أقلام برايل. حل جزء من المشكلة أزمة تأخير طباعة الكتب المدرسية شملت أيضا مدارس المكفوفين فى محافظة سوهاج, فبعد تواصلنا مع بعض الطلاب أكد أحدهم أنه يعتمد على الملخص الذى يمليه عليه مدرس الفصل, بينما يقوم طالب أخر بتسجيل الدرس صوتيا ومراجعته فى المنزل, ولجأ البعض إلى وسائل التواصل الاجتماعى طالبين المساعدة فى توفير الكتب سواء مكتوبة بصيغة «وورد» أو مسجلة صوتيا. ومن سوهاج إلى المنوفية أكد لنا أحد طلاب مدارس المكفوفين بالصف الثالث الثانوى استمرار أزمة تأخير الكتب هذا العام أيضا, وأن الإدارة تخبرهم كل أسبوع بأن الاستلام سيكون الأسبوع المقبل, ومع ذلك لا يحدث شيء. أما مدرسة النور بمحافظة الإسماعيلية فقد تلافت الوقوع فى الأزمة عن طريق الاحتفاظ بكتب العام الماضى ليتم تدريسها هذا العام, حيث تقول أحدى المدرسات إن هذا الإجراء حل جزءا كبيرا جدا من المشكلة, خاصة وأن الكتب جاءت فى آخر العام الماضى مما سهل الحفاظ عليها جديدة لفترة أطول, مؤكدة أن المدارس التى لم تهتم بالاحتفاظ بكتب العام الماضى هى الأكثر تضررا هذا العام من الأزمة. التكنولوجيا هى الحل فى محاولة لإيجاد حلول بديلة لتفادى أزمة طباعة الكتب المستمرة تواصلنا مع محمد أبو طالب ( كفيف ومدرس حاسب ألى فى مركز نور البصيرة بجامعة سوهاج) وأكد أن الحل يكمن فى دعم وتطوير المركز النموذجى لرعاية المكفوفين للاستفادة من إمكاناته وخدماته لكونه الأكفأ والأفضل فى مجال طباعة الكتب الدراسية, فالمركز لديه آلات طباعة لا تتوافر فى أى مكان أخر ويعتمد على أفضل تقنيات التجليد والتغليف التى تحافظ على الكتب لفترة أطول. وأشار أبو طالب إلى ضرورة استغلال التقدم التكنولوجى فى خدمة المكفوفين عن طريق توفير جهاز «برايل سينس» للطلاب فى المدارس, وهو جهاز بحجم الكشكول الكبير به سطر إلكترونى يظهر الملفات المكتوبة بصيغة «وورد» بطريقة برايل, ويمكن للكفيف الكتابة بطريقة برايل وتخرج فى صورة كتابة عادية, كما يمكن توصيل الجهاز بالأجهزة اللوحية مثل «التابلت». وأضاف: الاتجاه الآن لتطوير التعليم عن طريق الأجهزة اللوحية, لذلك فإن توافر هذا الجهاز مع «التابلت» سيسهل كثيرا من العملية التعليمية شرط أن تكون المقررات نفسها مكتوبة ببرنامح «وورد».