جاءت وفاة رئيس الوزراء ملس زيناوي بعد حياة حافلة بالعمل, تماثل تقريبا التأثير السياسي لنظام هيلا سيلاسي, حيث أعاد صياغة العلاقات بين القوميات علي أساس الفيدرالية الإثنية, وهي صيغة توازن بين احترام حق تقرير المصير والالتزام بوحدة الدولة. بوفاة زيناوي أصبح استقرار إثيوبيا مثار قلق وتساؤل, كما أن التاريخ السياسي للرجل أسهم في تقوية السلطة المركزية للدولة وترسيخ مكانة ودور رئيس الوزراء في السياسة الإثيوبية, وصارت شئون البلاد تدار ليس فقط من خلال التغيرات في الأداء الاقتصادي, لكن من خلال تحالف سياسي متعدد الأطراف يمثله رئيس الوزراء وجماعة التجراي والكنيسة الإثيوبية. وهذا التحالف يعد امتدادا للكتلة التاريخية والسياسية التي شكلت الدولة الإثيوبية الحديثة. تحت رئاسته شهدت التركيبة القيادية لجبهة تجراي العديد من التغيرات والتحولات في النخبة السياسية, وظلت تصب في رصيده السياسي, بحيث تمكن مع نهاية عام2010 من الهيمنة المطلقة علي تحالف الجبهة الثورية الشعبية الإثيوبية بالإضافة لتحكمه في اللجنة المركزية لجبهة تجراي ومكتبها السياسي, وربط مصير الجبهة الشعبية بالتغيرات التي تحدث في جبهة تجراي, حيث كان يتمتع زيناوي بصلاحيات واسعة في مواجهة المجلس التنفيذي للجبهة الشعبية وأيضا المكتب السياسي لجبهة تجراي. ومن خلال هذه المكانة استطاع زيناوي فرض سياسته ومواقفه, وصار يشكل الشخصية المحورية في النظام السياسي الإثيوبي. شهدت التركيبة القيادية للجبهة تحولات مهمة بعد انتخابات2010, حيث توسعت فرص زيناوي في زيادة السيطرة علي جبهة تجراي والجبهة الثورية, حيث دعا المؤتمر العام لاستبدال قيادات الصف الأول كاستراتيجية لتجديد المستوي القيادي علي مدي الفترة20152010 في كل من الجبهة والجبهة الثورية, وذلك وفق أولوية استبدال القيادة الحزبية الأكثر خبرة, وتكوين مسار سياسي لهم لخدمة الجبهة للاستمرار في خدمة الجبهة والشعب علي مختلف المستويات, وتعزيز وصول الأجيال الشابة والنساء للمواقع القيادية. بوفاة زيناوي, يثور القلق علي مستقبل إثيوبيا والجبهة الثورية, حيث ظل يشكل العمود الفقري لتماسك النظام السياسي الإثيوبي لما يقرب من عقدين, فرغم التعقيدات والأزمات التي شهدتها السياسة الإثيوبية, تمكن من تطوير رؤيته لوحدة الدولة, لكنه لم يستطع التخلص من التناقضات الكامنة سواء داخل الجبهة الثورية والتي دفع نحو تفككها أو تلك الكامنة في وجود عوامل تعزز تفكك الدولة ذاتها, وهذا ما يثير مسألة توارث عهد وتركة زيناوي, فرغم وضوح آلية انتقال السلطة, فإنه من المتوقع إثارة مطالبات بإعادة توزيع السلطة ما بين الجماعات الإثنية والدولة, حيث تسعي بعض الجماعات كالأمهرا والأورومو لتوسيع دورها في السلطة المركزية, وهو ما سوف يثير النقاش مع تولي' هيلامريام داسلجن' السلطة الانتقالية, وهو ينتمي للحركة الديمقراطية لشعوب الجنوب الإثيوبي وهي حركة غير مترابطة وتعاني التفكك والضعف, وتشكل واحدة من الحركات الإثنية المنضوية تحت مظلة الجبهة الثورية, وتم تكوينها في التسعينيات لتمثل قويمات الجنوب الإثيوبي في تحالف الجبهة الثورية. هذا القلق لا يقتصر علي الجوانب الداخلية فقط, لكنه يتعدي للسياسة الخارجية, حيث أسس زيناوي السياسة الخارجية لإثيوبيا علي أساس الترابط مع توجهات التنمية, حيث تقوم السياسة الخارجية علي حماية المصالح الوطنية وضمان بقاء إثيوبيا كدولة موحدة, بحيث تسهم العلاقات الخارجية في خلق الظروف المواتية حتي يتمكن المجتمع من الاستفادة من النمو الاقتصادي والتحول الديمقراطي. لذلك من الأهمية أن تكون قواعد العلاقات الخارجية قائمة علي استراتيجية تراعي التحديات الداخلية وتجنب التعرض للتهديدات التي تؤثر في الأوضاع الداخلية, وفي حالة استمرار هذه التوجهات, يمكن القول ان السياسة الخارجية تجاه دول الجوار سوف تميل إلي الحذر والترقب حتي يتم نقل السلطة بشكل آمن, غير أنه لا يمنع إثارة المطالبات بإقليم الأوجادين ومطالب حق تقرير المصير للعديد من الجماعات الإثنية الأخري. علي مستوي العلاقات الإثيوبية- المصرية, ذهب زيناوي إلي اندلاع ثورة يناير لن ينتقل إلي إثيوبيا, لكنه وعد بتجميد الخلافات مع القاهرة بشأن مياه النيل لحين انتخاب رئيس جديد للدولة. ورغم اختلاف النظام السياسي في البلدين وتوتر العلاقات بينهما خلال سنوات ما قبل الثورة, فإن حدوث تغيرات في القيادات السياسية والدينية في البلدين, قد يساعد في إعادة ترتيب العلاقات, حتي أنه في ظل احتمالات تغير نظام الحكام في البلدين, سواء بعد ثورة أو بالوفاة, فإنهما أيضا بصدد اختيار قيادات دينية جديدة للكنيسة الأرثوذكسية بعد فراغ كرسيي الباباوية. هذا الوضع قد يتيح الفرصة لإعادة النظر في بعض قضايا السياسة الخارجية المرتبطة بالعلاقات الثنائية, فبجانب تطوير الحوار حول مياة النيل, هناك جدل حول تحسين العلاقة بين الكنيستين, حيث ظلت القضيتان مثار خلاف لعدة عقود شهدت تنامي العلاقات العدائية وتزايد التوتر السياسي, لكن بشكل عام; يتوقف تغير السياسة الخارجية الإثيوبية, ليس فقط علي تأمين انتقال السلطة, بل علي العديد من العوامل الخارجية التي ساعدت زيناوي في تسلم السلطة, خاصة ما يتعلق منها بالنفوذ الأمريكي في الشئون الإثيوبية.