مع استمرار التحذيرات من احتضار الصحافة المطبوعة، والبحث عن وسائل تجعلها تستمر فقط خلال السنوات العشر القادمة، كما حذر مارك ثومبسون الرئيس التنفيذي للشركة التي تملك صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، مشيرا إلى أنه يأمل أن تحاول الصحافة المطبوعة النجاة والاستمرار إلا أنه اعترف أن الصحافة تواجه تاريخ صلاحية. التحذيرات من اختفاء الصحافة المطبوعة ليست جديدة فقد بدأت مع ظهور التليفزيون، وازدادت السيناريوهات السوداء لمستقبل الصحف مع ظهور الإنترنت منذ أكثر من 25 عاما، إلا أن الظاهرة الحقيقية التي تهدد وجود المطبوع تتمثل في «سكرول داون» أو scroll down التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك حيث العالم والأخبار والصور وكل شيء بلا نهاية ولا توقف. وفي يوم ما، وصف الملياردير الأمريكي روبرت ميردوخ، بارون الصحافة، عوائد صحفه المستقرة مثل «الصن» و»التايمز» و»وول ستريت جورنال» بأنها «أنهار من ذهب»، لكنه تراجع عن هذه المقولة بعد عدة أعوام حيث قال «أحيانا الأنهار تجف». وكتب بيل كيلر رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في يناير 2009 تحت عنوان «استثنائي الوحيد» أن مستقبل الصحافة سيكون مزيجا من الصحافة المطبوعة والإليكترونية، مع زيادة نمو الأون لاين لتعويض تراجع المطبوع». ودعا البروفيسور ميتشل ستيفنيز أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك إلى الاتجاه إلى ما يسمى «الصحافة الحكيمة»، التي تهتم أكثر بمقاربة من الاستقصائي والتقييمي والإخباري ومقالات الرأي، كما ظهرت اتجاهات أخرى صحفية لتطوير المحتوى وجذب المزيد من القراء مثل «الصحافة الإيجابية» و»صحافة الحلول».. وغيرهما من أجل مواجهة العصر الرقمي، وازداد الاعتماد على الاشتراكات الإلكترونية مقابل الحصول على المحتوى والمنصات الرقمية من أجل تعويض خسائر المطبوع. قادة العالم أنفسهم بدأوا ينتبهون إلى خطورة أزمة الصحافة المطبوعة حتى إن تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا قالت إن «إغلاق صحيفة وراء صحيفة خطر على الديمقراطية»، وذلك بعد إغلاق 200 صحيفة منذ 2005 وحتى الآن، بينما تعهد جاستن ترودو رئيس وزراء كندا بدعم الصحف المحلية بحوالي 50 مليون دولار، واقرح تعديلات قانونية تساعد المشروعات الصحفية الإخبارية غير الربحية في جمع الأموال. كما اتجه العشرات من رجال الأعمال المصنفين على قائمة بلومبرج لمليارديرات العالم إلى شراء الصحف، وتعددت أسبابهم في ذلك، ففي أكتوبر 2013، اشترى جيف بيزوس مؤسس والمدير التنفيذي لشركة أمازون، وأغنى رجل في العالم، صحيفة واشنطن بوست مقابل 250 مليون دولار، وقال إنه تولى هذه المهمة من أجل دعم الديمقراطية الأمريكية، وارتفعت أرباح الصحيفة الشهيرة بعد 2016، على الرغم من أن بيزوس نفسه أصبح هدفا لهجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يصف هذه الصحيفة وغيرها بأنها تنشر «أخبارا كاذبة». كما اشترى الملياردير باتريك سوت شيونج «لوس أنجلوس تايمز»، وقال إن قرار الشراء شخصي، وإنه «كشخص ترعرع في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فإنه يتفهم دور الصحافة الذي يجب أن تلعبه في مجتمع حر». وعلى العكس من الغرب، فإن آسيا شهدت تجربة ناجحة في الصحافة المطبوعة، ففي الهند، مازال المطبوع يمثل صناعة قوية حيث تملك أعلى نسبة من الصحف المطبوعة، وأرقامها تزداد من 5767 في 2013 إلى 7871 في 2015. وذكر مكتب مراجعة التوزيع ارتفاع التوزيع من 39 مليون نسخة في 2003 إلى حوالي 63 مليونا في 2016، بزيادة قدرها 60% حيث تظل الصحف خصوصا المحلية الأفضل للوصول إلى شرائح المجتمع الهندي. وبين فشل المطبوع ونجاحه، ومحاولة البحث عن بدائل وحلول من أجل البقاء، ظهر أيضا أن مواقع إليكترونية حققت نجاحات غير مسبوقة مثل «بازفيد» و»ماشابل» و»فايس» في بداية ظهورها لم تنجح أيضا في تحقيق سقف توقعاتها في الأرباح، بل أنها تعرضت لخسائر مدوية وعرضت للبيع، بسبب فيسبوك وجوجل. الشركتان تسيطران على 60% من الإعلان الإلكتروني، وأصبح الكثيرون من الناشرين يعتمدون على تدفق المال من محرك البحث الأول والأوسع انتشارا وموقع التواصل الاجتماعي، سهولة شراء وبيع الإعلانات بشكل أتوماتيكي، والذي يعرف باسم «الإعلان المبرمج»، تسبب في انخفاض أسعار الإعلان. إذن فإن الصحافة بشكل عام ك»مرآة للمجتمع» في خطر، سواء مطبوعة أو إلكترونية، ولا توجد حلول نهائية أو فورية للأزمة على الرغم من أن هناك تجارب ناجحة في المطبوع إلا أنه لا بديل عن تقديم خدمة ومحتوى يضمنان استمراره بشكل يتماشى مع جمهور جديد يعتمد على السكرول داون كأسلوب حياة.