ولدت الطبقة العاملة المصرية الحديثة فى أواخر القرن التاسع عشر وسرعان ما اكتسبت خبرات العمل النقابى من تفاوض وضغط على الطرف الآخر بالامتناع عن العمل والإضراب السلمى والمطالبة بسن تشريعات تحمى مصالحها فى مواجهة مصالح أصحاب العمل. تعلمت هذا كله من العمال الأجانب العاملين فى مصر خاصة العمال الايطاليين واليونانيين، وحرصت على أن تتضمن القوانين المصرية مايكفل لها التمتع بحقوقها العادلة فى ساعات العمل والأجر والاجازات وغيرها، كما انها نجحت فى ان تنتزع مكاسبها عمليا ثم تتضمن القوانين هذه المكاسب، كما حدث فى العديد من الدول المتقدمة فرغم ان عمرها لا يتجاوز قرنين وربع القرن الا انها استطاعت ان تصل الى مكانة متقدمة فى علاقات العمل. ولما كانت مصر تمضى الآن فى طريق التطور الرأسمالى سواء من خلال الاستثمارات الوطنية أو الاجنبية فى مجالات الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة وهو ما ينتج عنه نمو الطبقة العاملة فان تحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب الأعمال سوف يضمن استقرار المجتمع وتطور الاقتصاد الامر الذى سوف ينعكس فى القدرة على حل مشاكل الاقتصاد المصرى وارتفاع مستوى معيشة المواطنين ومن مصلحة الجميع ملاكا ومأجورين ان يتعاونوا معا من أجل تحقيق هذا التوازن، كما أنه من المهم ان تقوم الحكومة بدور مؤثر وفعال ومحايد فى تحقيق هذا الهدف. وقد استفادت مصر فى تجربتها من منظمة العمل الدولية التى ترعى تحقيق ذلك من خلال نشاطها سواء على المستوى الدولى او على المستوى المحلى فى كل بلد من بلاد العالم خاصة أنها تتميز بهيكل ثلاثى الأطراف, ممثلين عن العمال من خلال نقاباتهم الوطنية وممثلين عن أصحاب الأعمال من خلال اتحاداتهم وممثلى الحكومات، وذلك تطبيقا لمبدأ التشاور الثلاثي، سواء ما يتعلق بأعمال وفود المنظمة أو تطبيق معايير العمل الدولية أو فى مؤتمرات العمل الدولية التى تضم الاطراف الثلاثة وهو ما يشجع على الحوار الاجتماعى فى كل مجتمع وصولا الى قدر من التوافق حول الملاءمة بين اصحاب العمل والعمال وهو ما ينعكس على العملية الانتاجية واستقرار المجتمع. وقد تأسست منظمة العمل الدولية عام 1919ومقرها مدينة جنيف فى سويسرا كجزء من معاهدة فرساى لمواجهة الآثار الاجتماعية السيئة التى خلفتها الحرب العالمية الأولى، واعتمدت المنظمة فى دستورها على: (أن السلام العادل والدائم لا يمكن ان يتحقق إلا اذا استند على العدالة الاجتماعية) وتختص المنظمة بوضع معايير العمل الدولية (الاتفاقيات التوصيات) كما تقدم المساعدة الفنية لدعم قدرات الحكومات وأصحاب العمل والعمال (والمنظمات الممثلة لهم) وتقوم بهذا الدور من خلال مؤتمرات العمل الدولية التى تعقد فى مقر المنظمة فى جنيف بحضور ممثلى الاطراف الثلاثة تأكيدا لمبدأ الحوار الاجتماعى أو من خلال وفود المنظمة الى الدول المختلفة. وكانت مصر من الدول التى حظيت باهتمام منظمة العمل الدولية سواء من خلال مناقشة الاوضاع المصرية فى المؤتمرات الدولية أو من خلال الوفود التى زارت مصر، وكان للمنظمة بصفة دائمة رأى فى تشريعات العمل فى مصر حيث أبدت ملاحظاتها على مدى وفاء هذه التشريعات بالتوازن بين مصالح العمال وأصحاب الاعمال. تهتم المنظمة فى نشاطها بالمبادئ الاساسية الحاكمة لحقوق الإنسان ومن أهمها: أن حقوق الانسان ليست منحة من احد وانها متأصلة فى كل انسان وملازمة له لكونه انسانا، وأنها حقوق عالمية من حيث المحتوى، اى لكل البشر بغض النظر عن اختلاف اللون او الجنس او الدين او العرق او الاصل الاجتماعي، وهى حقوق غير قابلة للتصرف اى لا يمكن التنازل عنها او سلبها حتى وان لم تعترف بها قوانين بلد ما. وهى وحدة واحدة لا تتجزأ. انها حقوق تستند الى المساواة وعدم التمييز فكل الاديان والثقافات والحضارات اكدت تساوى جميع البشر على اساس الكرامة المتأصلة فى جميع الناس. وتستند المنظمة فى نشاطها الى المواثيق الدولية المتعلقة بالعمل ابتداء من الاعلان العالمى لحقوق الانسان 1948، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة 1979، واتفاقية حقوق الطفل 1989، واتفاقية حقوق الاشخاص ذوى الاعاقة 2006، واتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية منذ 1919. كما أنها تستند الى اتفاقيات تتعلق بالحرية النقابية مثل اتفاقية الحرية النقابية وحماية الحق فى التنظيم رقم 87 لسنة 1948، واتفاقية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية رقم 98 لسنة 1949، وهناك اتفاقيات أخرى تتعلق بإلغاء السخرة والعمل الجبري، واتفاقيات تتعلق بالمساواة فى الفرص والمعاملة، واتفاقيات تتعلق بالقضاء على عمل الاطفال وحمايتهم. وسوف نستعرض فى مقالات تالية مظاهر نشاط المنظمة بالنسبة لمصر. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر