تتحول الآن فلسفة بناء المناهج الدراسية للتعليم الأساسي، خاصة المرحلة الابتدائية فى العالم كله، من فلسفة المناهج المبنية على نظرية «التعليم القائم على الموضوعات»، وهو الأسلوب الذى يعتمد على المدرس كمعلم والطالب كمتلق بهدف بناء معارفه الأكاديمية واللغوية، إلى فلسفة المناهج ذات الطبيعة الدولية العابرة للقارات والمبنية على نظرية «التعلم القائم على الظواهر والوحدات الدراسية المتكاملة»، وهو الأسلوب الذى يتمحور حول التعلم الذاتى التفاعلى المستقل للتلميذ، ويصبح المدرس موجها للتلميذ «كوتش» أكثر منه معلما، ويهدف هذا الأسلوب بالأساس لتزويد التلميذ بالمهارات الحياتية لكى يصبح إنسانا صالحا لمجتمعه، بالإضافة إلى المعارف الأكاديمية العلمية التقليدية. إن الأسلوب التقليدى القائم على «الموضوعات» مازالت تنتهجه غالبية الدول فى مناهجها الوطنية للتعليم الأساسى لأسباب عديدة، أهمها الكثافات الطلابية العالية ونقص الإمكانيات التكنولوجية، والحاجة إلى تأهيل المدارس والمعلمين والآباء، بينما الأسلوب الحديث المبنى على «الظواهر» لإكساب المهارات والقائم على «الوحدات الدراسية المتكاملة» مازال محصورا فى الغالب فى التعليم الخاص ذى الطابع الدولي، مع بدايات حثيثة لإدخال مفاهيمه ودمجها فى بنية المناهج الوطنية لبعض الدول للتعليم الأساسي، والبدايات حثيثة لأسباب عديدة أيضا، نظرا للمتطلبات والمحاذير التى يجب التعامل معها لإنجاح تلك الفلسفة الحديثة للمناهج المبنية على اُسلوب المهارات، ولضمان أن يستفيد غالبية الطلبة من النظام الجديد بغض النظر عن التفاوت فى قدراتهم الذاتية على التعلم. وفنلندا من الدول القليلة التى بدأت فى تعميم هذه المناهج الحديثة بمنظومتها التعليمية الوطنية منذ عام 2016، وهم يقيمونها الآن لمعرفة مدى نجاحها أو إخفاقها فى تطوير العملية التعليمية للتلاميذ، ومن أهم النتائج الأولية للتقييم التى ظهرت فى بعض الرسائل العلمية فى الموضوع أن الطلاب المتفوقين دراسيا والموهوبين هم من أبدوا تواؤما كبيرا مع المناهج التفاعلية الحديثة، وأحرزوا تحصيلا علميا كبيرا حتى بدون مساعدة مدرسيهم، بينما الطلاب الأقل ذكاء تأخر تحصيلهم الدراسى بشكل لافت عندما تحول دور المدرس من المعلم إلى الكوتش، بينما هم لا يملكون القدرات المطلوبة للتعلم الذاتى المستقل. لذلك يبقى السؤال مفتوحا على مصراعيه: هل ينبغى على الدول تطبيق اَى فلسفة جديدة للمناهج على كل الطلاب مرة واحدة فى المناهج الوطنية؟ أم يتم التطبيق على عينة ممثلة من المدارس لعدة سنوات، ثم يتم تقييم التجربة قبل التعميم؟، الإجابة على هذا السؤال كفيلة وحدها بتحديد التوجه والمسار الذى ينبغى على أى دولة انتهاجه فى وضع سياسات تعليمها الأساسي، خاصة المرحلة الابتدائية، وذلك لكى تضمن سلامة النهج ونجاح التطبيق فى تغيير مستقبل أجيالها القادمة إلى الأفضل، وأعتقد أن هذه هى الطريقة المثلى لزرع الولاء والانتماء لهذا للوطن عن طريق ضمان تكافؤ الفرص لجميع الناس كل الوقت، وفِى مختلف الخدمات وخاصة التعليم. د. أحمد الجيوشى أستاذ الهندسة الميكانيكية - جامعة حلوان