المؤيدون: النظام الجديد يسهم فى تحقيق المواءمة بين الجامعة وسوق العمل المعارضون: التابلت لا يمثل أكثر من كونه إحدى الأدوات التى تستخدم فى العملية التعليمية.. فكيف يكون هو الركيزة والمحور؟
مضت سنوات عديدة على نظام الثانوية العامة دون تغيير، ونتيجة التطور العلمى والتكنولوجى المتسارع، لم يعد من المقبول الإبقاء على النظام القديم الذى يكرس الحفظ والتسميع دونما إعمال الفكر والفهم، ومن ثم أصبح التغيير أمرا حتميا. وفى عجلة من الزمن، صرح وزير التربية والتعليم بتطبيق نظام جديد بدءا من العام 2018/2019. ويمكن اختصار ملامح هذا النظام فى النقاط التالية: يطبق النظام الجديد (نظام التابلت ) على الطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوى فى العام الدراسى 2018/2019، يؤدى الطالب 12 امتحانا خلال ثلاث سنوات بمعدل امتحان كل ثلاثة أشهر(ربع سنوي)، وبذلك يتم القضاء على الدروس الخصوصية (فى رأى الوزير)، والكتاب المدرسى باق مع التابلت، على أن يلغى بالتدريج، مع توزيع مليون تابلت على الطلاب والمعلمين ( كما صرح الوزير)، وسيظل تنسيق القبول بالجامعات كما هو ضمانا للعدالة، وسوف يتم إلغاء نظام الامتحان الورقى والكنترولات واستبداله بالامتحان والتصحيح الإلكترونى، وسوف يستخدم الطالب التابلت فى التعلم واكتساب المهارات من خلال بنك المعرفة. ........................ وعن هذا النظام وما يمكن أن يسفر عنه يقول الدكتور مهنى غنايم، أستاذ أصول التربية، عميد كلية الآداب الأسبق بدمياط جامعة المنصورة، إن هدف تطبيق منظومة التابلت وتغيير التقويم هو القضاء على الحفظ والتلقين، ومن ثم إلى الفهم والتعلم المستمر، ويسهم النظام الجديد فى تحقيق المواءمة بين الجامعة وسوق العمل، وسوف يلغى نظام الامتحان الحالى (على مستوى الجمهورية ) مستقبلا بحلول عام 2020/2021. ويؤكد أن هذا النظام مستورد من بيئات أجنبية لا تتوافق مع البيئة المصرية (على الأقل فى الوقت الراهن)، وهى بيئات مغايرة تماما للبيئة المصرية لغة، وثقافة، وهوية، وهيكلا تعليميا تنظيميا. ويضيف أنه إذا كان تطوير النظام مطلوبا بلا شك، فإن هذا التطوير يجب أن يبنى على تخطيط علمى منهجى مسبق وليس عشوائيا، حيث إن التخطيط العلمى يحتاج إلى رسم خطة زمنية يشارك فيها متخصصون ومهتمون بأمور التعليم وصناع السياسة التعليمية، كما يتطلب تدريب الكوادر البشرية من معلمين وإداريين وقيادات تعليمية (ولم يتم تدريب المعلمين على النظام المقترح حتى تاريخه) والعام الدراسى طرق الأبواب بالفعل، فكيف نضمن نجاح التجربة؟ وقد تناول عدد من خبراء التربية هذا النظام بالتحليل والنقد وانتهوا الى ضرورة عدم التسرع والعجلة فى تطبيق هذا النظام، وباعتبارى أحد المهتمين بتطوير التعليم وإدارته وتخطيطه، فإننى أضم صوتى إلى هؤلاء الخبراء. ويطالب الدكتور غنايم بتأجيل تطبيق النظام لحين تهيئة المناخ المدرسى للتطبيق من حيث الأبنية المدرسية وتدريب المعلمين والقيادات الإدارية، وتوفير مصادر التعلم الإلكترونية، وقبل كل ذلك الدعوة إلى مؤتمر قومى يشارك فيه الخبراء والمتخصصون من ذوى الخبرة والكفاءة لوضع خطة تربوية علمية منهجية جديرة بتطبيق هذا النظام الجديد. وتُبدى الدكتورة منال فاروق سطوحى، أستاذ تعليم الرياضيات، رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية البنات بجامعة عين شمس، استغرابها من اعتماد الثانوية التراكمية التى يخوض الطالب فيها 12 امتحانا لكل مقرر دراسى، متسائلة: هل هذا أمر مقبول؟ ألا يمثل ضغطا ماديا ونفسيا على الأسرة والتدافع نحو الدروس الخصوصية للحصول على أعلى الدرجات؟ من يتحمل الميزانية المالية: خزانة الدولة أم الاقتراض من البنك الدولي؟ ومن يدفع صيانة الأجهزة؟ وتضيف أنه من المسلم به أن البرمجيات المختلفة، مثل الأوفيس، تغيرها الشركات كل عدة سنوات، فتصبح الأجهزة بطيئة السرعة وضعيفة، فمن يتحمل تحديث وتجديد البرمجيات واشتراكات الإنترنت لجميع طلاب مصر؟ فى حين أن التابلت لا يمثل أكثر من كونه إحدى الأدوات التى تستخدم فى العملية التعليمية، فكيف يكون هو الركيزة والمحور؟ هل هيأت كليات التربية المعلمين لذلك؟ هل أعدت مراكز التدريب دورات للمعلمين؟ هل النجوع والقرى فى مصر بما تتضمنه من أسر وظروف معيشية مستعدة لذلك؟ وتستنكر الدكتورة منال سطوحى إلغاء الامتحان الموحد للثانوية العامة، وجعله على مستوى المدرسة، مؤكدة أن الامتحان الموحد هو أفضل معيار للمفاضلة بين الطلاب، كما أن امتحانات القدرات من الممكن أن تخترق بالجامعات بالعديد من الطرق. وتحذر الدكتورة هانم خالد سليم، أستاذ أصول التربية المساعد بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق، من أن مشروع التطوير الحالى محفوف بالمخاطر التى تهدد نجاحه واستمراره، ومنها أن التطوير الحالى لم يشارك فى إعداده المستفيدون من الخدمة التعليمية كالطلاب وأولياء الأمور أو العاملين من معلمين وإداريين، مما يشعرهم بأن التغيير والتطوير قد فُرض عليهم فرضاً ولم ينبع من داخل المؤسسات التعليمية نفسها مما يقلل من مساندتهم ودعمهم للمشروع، فضلا عن أنه لم يؤخذ رأى قادة الفكر التربوى المصرى وخبرائه والمراكز البحثية التعليمية فى مشروع التطوير وعدم أخذ الوقت الكافى فى إعداده والتسرع فى تطبيقه مما يتوقع معه مقاومة هذا التطوير وعدم المشاركة فى إنجاحه من قبل الكثيرين. وتضيف أن الاعتماد الكلى على التابلت كوسيلة أساسية للتعليم المصرى يفقد التعليم إنسانيته ومتعته، ويشجع على العزلة والانطواء والعيش فى العالم الافتراضى المجهول، ويضع الطالب رغماً عنه فى مواجهة حروب الجيل الرابع، بالإضافة إلى عدم توافر البنية التحتية المناسبة، خاصة فى مدارس المناطق الريفية والنائية والأحياء الشعبية، كما أن تطبيق نظام الثانوية العامة الجديد (ذى الثلاث سنوات) وتطبيق التقويم التراكمى يمهد لانتشار أكبر للدروس الخصوصية ويحمل الأسرة المصرية مالا تطيق فى ظل ظروف اقتصادية صعبة. وتوصى الدكتورة هانم خالد باستيفاء متطلبات نجاح التغيير التربوى بوضع خطط عمل محكمه تتضمن: رؤية واضحة, ومهارات متنوعة, وحوافز مجزية, وموارد كافية, وإدارة واعية حكيمة، ومراعاة التدرج فى تطبيق مشروع التطوير وتجزئته حتى نقلل من مقاومة التغيير ونحقق الأهداف المرجوة، والالتزام بمراحل التغيير التربوى من حيث: التهيئة للتغيير والتطوير, ثم تجريب مشروع التطوير على نطاق ضيق, ثم تقويم التجربة للتعرف على الايجابيات والسلبيات, وأخيراً يتم التعميم بدعم الإيجابيات وتفادى السلبيات. من جانبه، يشير الدكتور محمد حسن جمعة، أستاذ أصول التربية المساعد بكلية التربية بجامعة دمياط، إلى أن هذا النظام الجديد القائم على مبدأ التراكم والامتحانات المتنوعة للمقرر الواحد والمتوسط التراكمى فى نهاية المرحلة كمؤهل للجامعات ليس نظاما جديداً، إذ تطبقه خمس دول هى الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى تعتمد على المعدل التراكمى لامتحانات الطلاب فى السنتين الثانية والثالثة للتعليم الثانوى بنسبة 60% للأنشطة المدرسية ونسبة 40% للامتحانات الدورية على مستوى المدرسة، ثم اختبارات مؤهلة للجامعات المتنوعة، وكذلك كل من فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، التى تعتمد أنظمتها الثانوية العامة على مجموعات من المقررات الاختيارية وفق نظام الساعات المعتمدة، والتى يعتمد معظمها على ثلاث سنوات، وللطالب أن يجتازها فى عامين فقط حسب قدراته واستعداداته واختياراته العلمية أو الأدبية أو المهنية، ثم تعقد اختبارات لقياس القدرات المؤهلة للجامعات. ويتساءل: هل أجرت الوزارة حوارا مجتمعيا حول الإصلاح واستطلعت توجهات الناس والطلاب؟ هل استعانت الوزارة بخبراء كليات التربية والذين أعلنوا حديثا أن لا علاقة لهم بهذا النظام؟ هل حللت الوزارة واقع التعليم المصرى حالياً فى مؤسساته قبل الجامعية؟ هل لدى هذه المؤسسات القدرة على استيعاب النظام الجديد من حيث توافر التقنيات والاستعدادات التكنولوجية بمدارسنا؟ هل أهلت ودربت الوزارة معلميها على هذا النظام الجديد؟ هل تم التنسيق مع وزارة التعليم العالى لتعديل نظم القبول وفق المنظومة الجديدة؟ وتساؤلات أخرى كثيرة، والمحصلة أننا نسير نحو المجهول فى استيراد شكلى لنظام تعليمى عالمى لا نملك بيئة نجاحه فى مصر، ولا نملك التخطيط الاستراتيجى المقنن لتعديل منظومة التعليم فى مصر، ومن ثم فنحن الآن ننطلق نحو المجهول فلا الدروس الخصوصية ستنتهى، ولا حيرة الأسر ستزول، ولا تجويد التعليم سيتم.. ويبقى الأمل فى إعلان رئيس الجمهورية كون عام 2019 عاما للتعليم. ويدعو الدكتور جمعة إلى اغتنام هذه الفرصة، وأن يكون التطبيق تجريبيا فقط هذا العام حتى نتمكن من بناء حوار شامل مجتمعى أكاديمى تربوى متخصص تجاه التعليم.