أتصور أن توقيع إيران على الاتفاق النووى مع الدول الكبرى (5 + 1) فى فيينا يوليو 2015م، كان بمنزلة هدنة نووية غير معلنة من جانب إيران وإدارة أوباما هدفت من توقيعه تهدئة الموقف إقليميا -وتاريخيا لم توقع هدنة الا واخترقت فى أغلبها لتحقيق أهداف غير معلنة عجزت عن تحقيقها قبلها والهدنة عسكرياً تعنى كما جاء فى قانون الحرب البرية للجيش الأمريكى 1956 وهو وقف إطلاق النار وهو ما فعلته إيران منذ توقيع الاتفاق وتحولت إلى الكمون النشط لمشروعها النووي. ومن منظور إستراتيجى هناك ثلاثة تحديات رئيسية للأمن الإقليمى الأول هو السياسة الأمريكية غير المنصفة للجانب العربى فى قضاياه عموما وأهمها القضية الفلسطينية وطرحها الغامض لصفقة القرن لصالح إسرائيل، الثانى وهو طموحات إيران التوسعية خليجياً ومحاولاتها امتلاك قدرات نووية تشكل ردعا للإقليم ككل والثالث وهو تحدى التحالف التركى الإسرائيلى ضد المصالح العربية ، والتحدى الإيرانى ينطلق من مشروع الحكومة العالمية للإسلام كغطاء لأهدافها التوسعية ومن عبادة المذهبية الشيعية. وسوف نتعرف على الوضع الراهن لإيران من خلال مستويين الأول هو المستوى الداخلى والآخر هو الدولي، فعلى المستوى الأول تتجلى أهميته من حيث قدرته على الضغط بهدف التغير كما شاهدنا فى مظاهرات يناير ومارس من عامنا الحالى والتى تم قمعها بقوة مفرطة وهى تعبر عن مدى الاحتقان المجتمعى الذى يرضخ لسطوة أمنية كبرى وجاءت نتيجة طبيعية لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى المدن والأرياف على حد السواء بعد ما فقدت العملة الإيرانية قيمتها أمام الدولار، وجاء على لسان صحيفة جبهان صنعت إبريل الماضى من أن هناك 33 % من المجتمع الإيرانى تحت خط الفقر, 6 % تحت خط الجوع، كما أشارت السيدة نيكى هيلى » سفيرة أمريكا لدى الأممالمتحدة أن حجم اتفاق إيران لدعم بشار الأسد بلغ 6 مليارات دولار فى العام، ناهيك عن الصراع الدائر بين الحكومة حسن روحانى والحرس الثورى حول مطالب الأخير من زيادة الإنفاق العسكرى فى سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة، كما أعلن أحمدى نجاد على موقعة الإلكترونى حول ملفات الفساد للمرشد العام وأعوانه من أن ثروته بلغت نحو 190 مليار دولار، ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية،خضع روحانى إلى الاستجواب أمام لجنة استماع فى البرلمان الإيرانى مع توجيه اللوم والنقد للمسئولين عن الملف الاقتصادى الذى يشهد تصدعات تنبئ بانهيار إن أستمرت العقوبات فى جديتها. الاستجواب كان له هدفان الأول المناورة أمام الرأى العام الإيرانى والثانى هو الاستعداد لتقديم روحانى قرباناً لإرضاء الشارع، وعلى الجانب السياسى يرتكب الحرس الثورى جرائم ضد المعارضة تحت مسميات مختلفة تتنافس مع ما ارتكبته العصابات الصهيونية والجماعات النازية فى القرن العشرين. وعلى المستوى الدولى يعد إعلان ترامب للانسحاب من الاتفاق تصحيحا لخطأ ارتكبته إدارة أوباما بهدف تأجيج الصراع بين الأطراف المتصارعة فى المنطقة، ويمنح إيران الفرصة للصعود، وقد ثبتت صحة توجهات ترامب استنادا على تقرير صحيفة وقائع البيت الأبيض أكتوبر 2017م، الذى حدد وعدد فيه السلوكيات الإيرانية العدائية فى المنطقة وتأكيد ضرورة إلزام إيران تنفيذ بنود الاتفاق النووى بكل صرامة وتجميد برنامجها للصواريخ الباليستية، وقد بدأت أوراق الضغط الأمريكية تتوالى على رءوس الملالية فى طهران ما دفعها إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ضد العقوبات الاقتصادية رغم أنها مازالت فى مراحلها الأولي، حيث تسعى إيران للإفراج عن أرصدتها المجمدة البالغة ما يقرب من 120 مليار دولار، أما المرحلة الثانية للعقوبات فسوف تبدأ فى نوفمبر المقبل فى قطاع النفط والغاز، ومن المتوقع أن تتعقد الأزمة مع تعدد الأطراف من حيث تداخل المصالح والتحالفات، فروسيا تدعم إيران فى سوريا والصين لا تريد أن تفقد حصتها من النفط الإيرانى وأوروبا غيرت من موقفها المحايد تجاه إيران لتدعم الموقف الأمريكي، وذلك من خلال خطة عمل شاملة ومشتركة بمعنى ربط الشق الفنى فى مشروعها النووي، والشق السياسى فى مواجهة سياسات إيران الداعمة للإرهاب تجاه جيرانها وهو ما جاء فى الإعلان الصريح عن لائحة الاتهام الإيراني، والتى تمس الأمن القومى الأمريكى بشكل مباشر. رصدت إدارة ترامب بدقة ما حققته إيران من فوائد بعد توقيعها الاتفاق حيث وظفت مكاسبها سواء انتهاء التهديد العسكرى الأمريكى ورفع العقوبات ،ما ساعد على توفير تمويل لمشروعاتها التوسعية خارجيا, كما ازداد الدور الإيرانى فى التدخل السافر فى الشئون الداخلية وانتهاك حقوق السيادة من خلال الشحن الطائفى ضد نظم حكم شرعية ،ومحاولة خلق ظهير وبيئة سياسية واجتماعية تدعم مشروعها فى العديد من البلدان وهو ما تم كبحه فى البحرين والكويت بجهود سعودية ملموسة. نحن أمام مجموعة من السيناريوهات تعتمد على الخبرات السياسية من توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة يمكن حصرها فى الآتي: السيناريو الأول: نجاح أمريكا فى بناء تحالف دولى مع فرض العقوبات المتدرجة تجبر إيران على قبول العودة لطاولة المفاوضات بشروط أمريكية لتصحيح الأخطاء الفنية فى الاتفاق النووى ، السيناريو الثاني: رفض إيران للتوجه الأمريكي، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الإيرانى ما يدفع الشارع للانفجار من جديد وتتصاعد إلى حرب أهلية تلعب فيه العسكرتارية الإيرانية دوراً بارزاً ضد المعارضة. السيناريو الثالث: أن تستمر إيران فى سياستها التوسعية رغم الضغوط الاقتصادية بهدف فرض واقع جديد بدعم موقفها عند دخولها فى مفاوضات تبدأ بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة فى سوريا واليمن، وهو ما يدفع المجتمع الدولى للتدخل حماية للمدنيين. السيناريو الرابع: أن تصر الولاياتالمتحدة على الربط بين القضايا الإقليمية، سواء فى سوريا واليمن بهدف التسويف لاستنزاف موارد المنطقة، خاصة بعد ما شهدنا من توافق روسى أمريكى وإسرائيلى تركى فى سوريا ما جعل الأزمة دون حل حاسم بمعنى استمرار (حالة اللا حرب واللا سلم). وتبقى هذه السيناريوهات مفتوحة وأتصور أن الشارع الإيرانى يظل الفاعل الحاسم والرئيسى فى الخروج من الأزمة!. لمزيد من مقالات ◀ د. عبدالغفار عفيفى الدويك