جاءت تدخلات إيران العسكرية فى العديد من دول منطقة الشرق الأوسط كأحد أهم وأبرز أسباب الاحتجاجات التى يشهدها الشارع الإيرانى ضد النظام منذ أواخر العام الماضي. كذلك حملت التدخلات الإيرانية الرئيس الأمريكى فى مايو الماضى على إعلان انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووى الموقع ما بين طهران والدول الخمس الكبرى عام 2015. وقال الرئيس دونالد ترامب فى كلمته خلال إعلان الانسحاب إن الاتفاق الذى وصفه ب"الكارثي" لم يحد من أنشطة طهران لزعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب فى المنطقة. واعترف المرشد الإيرانى على خامنئى مارس الماضى فى خطابه التقليدى بمناسبة رأس السنة الإيرانية بتدخل إيران فى العراقوسوريا، بحجة ما وصفه ب"إفشال المخططات الأمريكية" فى الشرق الأوسط. ولم يكن اعتراف خامنئى الأول من نوعه، بل إن للمسئولين فى النظام الإيرانى تاريخا طويلا فى التفاخر بالممارسات العدائية تجاه دول المنطقة والتدخل فى شئونها. وأكد الرئيس حسن روحانى أواخر أكتوبر من العام الماضى أنه "لا يمكن فى الوقت الحاضر اتخاذ إجراء حاسم فى العراقوسورياولبنان وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران". من جهته، وصف الجنرال حسين سلامى نائب قائد الحرس الثورى فى يونيو الماضى كلا من العراقولبنانوسوريا بالخطوط الأمامية لحرب إيران مع "أعدائها". وتأتى تصريحات المسئولين فى إيران لتأكيد مواصلة تنفيذ الحكومات المتعاقبة للمشروع السياسى والعسكرى التوسعى للنظام الذى أسسه الخميني، والقائم على فكرة ما يسمى ب"تصدير الثورة" أو إعادة "التمدد الفارسي" فى المنطقة. وعلى عكس ما بدا ظاهريا فى بداية الأزمة من سياسة إيرانية داعمة للرئيس السورى بشار الأسد، وضح للجميع بعدها حقيقة سعى طهران لاستغلال الأزمة وإطالة أمدها من أجل استكمال خطوات مشروعها التوسعى الذى بدأ بشكل جزئى مع حزب الله فى لبنان، ثم حقق خطوات أكبر إثر الاحتلال الأمريكى للعراق 2003. وهدف المشروع فى الأساس إلى تنفيذ ما وصف إعلاميا ب"الهلال الإيراني"، والذى يمتد من العاصمة طهران مرورا ببغداد ودمشق وصولا إلى بيروت. ومع وضوح رؤية شبه اكتمال الهلال الأول، سعت إيران إلى محاولة استطلاع رؤية الهلال الثانى من خلال ضم اليمن وقطر، مع محاولات مستميتة فاشلة لضم البحرين والمنطقة الشرقية بالسعودية للمشروع. إلا أن ضربات العقوبات الأمريكية المتواصلة على النظام الإيرانى ساهمت وعلى ما يبدو فى انهيار أحلام الرئيس روحانى فى استمرار تمويل المشروع التوسعى من المكاسب التى كان من المتوقع أن تجنيها طهران من توقيع الاتفاق النووي. وقدر خبراء اقتصاديون تكلفة تورط نظام طهران فى الصراعات الإقليمية والدولية بنحو 3 تريليونات دولار منذ إعلان قيام الجمهورية الإيرانية عام 1979. كذلك أغلقت المقاطعة العربية التى نفذتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) على قطر الطريق أمام طهران فى استخدام الدوحة كجسر لتمرير هذا المشروع. وكانت المقاطعة بمثابة خطوة مهمة فى حماية الأمن القومى العربى وحائط صد أمام مشروع التمدد الإيرانى الفارسي، ووضع حد لسلوك طهرانوالدوحة التخريبى وأنشطتهما الإرهابية بالمنطقة. كما لعب تشكيل التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن بقيادة السعودية بعد طرد قطر منه دورا مهما فى تكبيد ميليشيا الحوثى المدعومة من إيران خسائر فادحة فى العتاد والأرواح. وفى ظل الخسائر المتواصلة لإيران فى سورياوالعراقولبنان واليمن، وضح تماما عجز النظام عن استكمال مشروعه الخارجي، خاصة فى ظل انشغاله بمحاولة الحفاظ على بقائه داخليا أمام موجة المظاهرات المتصاعدة ضده. وبالتزامن مع دخول المرحلة الأولى للعقوبات المترتبة على الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى حيز التنفيذ، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب، التى أطلقها 30 يوليو الماضى حول إمكانية لقائه مع الرئيس الإيرانى روحانى وحل جميع المشكلات بين البلدين. إلا أنه وعلى عكس ما صوره البعض على كونه بمثابة "الصفقة" على غرار ما فعله ترامب مع كوريا الشمالية للقضاء على مشروعها النووى والصاروخى وتهديدها لجيرانها، أكد مسئولون أن إدارة الرئيس الأمريكى تسعى لتشكيل ما وصفوه ب"ناتو عربي" لوقف التدخل الإيرانى فى شئون المنطقة. وأيا كان ما سوف تحمله نتائج الاحتجاجات الداخلية الأيام المقبلة للنظام فى إيران واحتمالية سقوطه، أو صدق توقع الرئيس ترامب فى رضوخ روحانى لدعوته للحوار والقبول بمبدأ "الصفقة"، فإنه يبقى فى حكم الثابت فشل مشروع طهران التوسعى فى إحداث أى تغيير فى خريطة المنطقة.