تمتلك مصر تجارب اقتصادية متنوعة وان كانت تجربة الإصلاح الاقتصادى حالياً تعد الأشمل والأكبر من حيث النطاق وحجم الإجراءات والقطاعات المستهدفة بخلاف ما تشهده من عملية زخم ودفع نحو تحقيق نجاحات فى كافة القطاعات... ويتمثل التحدى الرئيسى فى إطار جملة التحديات الراهنة فى توفير موارد وتدفقات نقدية مستدامة تستطيع من خلالها الإدارة الاقتصادية أن تلبى احتياجات ومتطلبات خطط النمو الحالية والمستقبلية بعيدا عن اللجوء لخيارات الديون الخارجية والداخلية.. ووفقاً لآخر الأرقام الرسمية فإن نسبة العجز المستهدفة فى موازنة 2018/2019 هى 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى أى ما يوازى 438.6 مليار جنيه مع توقعات بارتفاع الحصيلة الضريبية فى الموازنة التقديرية لعام 2018/2019 ل770 مليار جنيه بزيادة 166 مليار جنيه عن موازنة عام 2017/2018... وتحقيق هذه الأرقام بالفعل وتجاوزها نحو الأفضل يستلزم العديد من الإجراءات والقرارات ذات الصلة فى كافة العمليات الاقتصادية ويتطلب إدارة وتنمية موارد الدولة وفق مفهوم الاستدامة والكفاءة ورغم الجهود العديدة التى لجأت إليها الدولة فى سبيل تصحيح مسار تنمية المواردإلا أن هذه الإجراءات تظل فى نطاق العمليات التقليدية التى قد تحقق زيادات بالفعل فى معدلات تدفقات الخزانة العامة للدولة لكنه لا يمكن التعويل عليها على المدى الطويل خاصة وأن هناك حدود لا يمكن تجاوزها وإذا تم تخطيها فإنه سيكون لها آثار جانبية قد تكون غير مفيدة للاستثمار والإصلاح الاقتصادى ككل... ونخطئ حين نقول أننا نحتاج لحلول وأفكار مبتكرة والصحيح هنا اننا نحتاج لمعالجات لأفكار وحلول لإشكاليات معلومة ومطروحة بالفعل ولكنها تحتاج فقط لمنهج متكامل يتناسب وطبيعة المرحلة الراهنة مثل هذه المعالجات المبتكرة سوف تضمن تحقيق موارد ضخمة للدولة يتوافر فيها شرطى الاستدامة والتنمية ودون أى ضغوط على الهياكل الاقتصادية الراهنة.. ويأتى على رأس هذه الحلول قطاع الاقتصاد غير الرسمى وهو القطاع الذى يقصد به من الناحية الأكاديمية تلك الفئة من الصناع أو التجار أو المنشآت التى تعمل فى الخفاء بهدف الحصول على الربح السريع دون الالتزام بأى أعباء سواء تأمينية أو ضريبية ويقصد به من الناحية الفعلية أنها الأنشطة الاقتصادية التى لا تخضع لرقابة الحكومة ولا يتم تحصيل ضرائب أو رسوم عنها كما أنها لا تدخل فى حسابات الناتج القومى الإجمالى على خلاف أنشطة القطاع الرسمى التى تخضع للنظام الضريبى والرقابة وتدخل حسابات الناتج القومى الإجمالي.. فوفق الإحصائيات الرسمية يبلغ حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر نحو 1.8 تريليون جنيه تمثل 44% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد وبالتالى فإن العمل على ضم القطاع غير الرسمى للاقتصاد يعنى إضافة استثمارات قائمة وموجودة بالفعل للناتج القومى الإجمالى وهو ما يعنى تحسن كبير فى العديد من المؤشرات الاقتصادية المختلفة.. كما أن ضم القطاع غير الرسمى لمنظومة الاقتصاد القومى سوف يؤدى إلى زيادة الموارد (ضرائب، تأمينات، رسوم، وغيرها) بنسب تعادل نسبة مساهمته فى الاقتصاد أى زيادة موارد الدولة بحوالى 40% دفعة واحدة ومن خلال قنوات موجودة على ارض الواقع بالفعل... وبصراحة فإن هذا الطرح ليس جديد كلياً فقد سبق طرحه فى أكثر من مكان وأكثر من موضع على مدار السنوات الماضية ولكن لم تتخذ خطوات فعلية تضمن تحقيق ذلك لكن الآن أعتقد أن الفرصة أصبحت مواتية فى ظل الإدارة الاقتصادية الراهنة لوضع حزمة من القوانين والقرارات التى تعبر عن رؤية متكاملة تجمع مابين التحفيز والدفع بقطاعات الاقتصاد غير الرسمى للاندماج تحت المظلة الرسمية، ولا يجب أن نعتمد هنا على قوة التجريم القانونى لأنهم أصلاً خارج النطاق القانونى ولذلك أقترح أن تكون الغلبة لفكرة تحفيز هذه الأنشطة للخروج إلى النور والانضواء تحت عباءة الاقتصاد الرسمى بما يعنى زيادة الناتج القومى الإجمالى بحوالى 40% وانخفاض معدلات الدين المحلى والخارجى فى نسبته إلى الناتج القومى الإجمالى بنسب متوازنة مع حجم هذا النمو المحقق بنفس النسبة تقريباً وزيادة التدفقات النقدية والمالية المحققة للخزانة العامة للدولة وبشكل مستدام يساعدها على تنفيذ خطتها التنموية باستدامة وفاعلية وبنسب متقاربة.. وأعتقد أن النجاحات المتوالية التى حققها البرنامج الاقتصادى منذ قرار تحرير سعر الصرف والتى أكدتها العديد من التقارير والمؤشرات الدولية وما أدى إليه من حالة من الاستقرار فى المناخ العام وخاصة سوق الصرف وهو ما كان له أثر واضح فى تحسن مناخ الاستثمار وزيادة تدفقات رأس المال المستثمر وزيادة معدل النمو الاقتصادى مع توقعات لوصولها لأرقام غير مسبوقة فى السنوات القادمة.. كل ذلك سيشكل قوة دفع لنجاح عملية ضم الاقتصاد غير الرسمى بما يصل بنا إلى مرحلة المشاركة المتكاملة فى النمو المستدام والفعال لكافة القطاعات الاقتصادية أياً كان حجمها أو مجال عملها...