ترددت طويلًا فى كتابة هذا المقال؛ لكنى تلقيت الإشارة من السماء. فقررت أن أسكب العطر الذى يخفيه كل منا داخله ربما لسنوات نُرَبّيه فى صمتٍ ألا وهو الإيمان. فقررتُ أن أكشف الدرة المكنونة فى بحرها كما ورد على لسان (الشبلي) دلف بن جحدر المُتوفَّى 433 ه معاتبًا (الحلاج) الحسين بن منصور المُتَوفَّى 309ه. عندما رآه مقتولا بظهر السوق وقد حاول الحلاج إظهار الإيمان ونشر العدل على الأرض. قد كنتَ عطْرًا نائمًا فى وردةٍ ... فلِمَ انسكَبتْ؟! ودرة مكنونةً فى بحرها...فَلِمَ انكشَفتْ؟! وهل يساوى العالم الذى وهبتهُ دمك هذا الذى وهبت ؟! سرنا معًا على الطريق صاحبين أنتَ سبقت أحببتَ حتى جدتَ بالعطاء لكننى ضننتْ والحلاج والشبلى شخصيتان صوفيتان حقيقيتان عاشا فى القرنين الرابع والخامس الهجريين. قال الشبلى عن الحلاج فى وصف إيمان كل منهما: أنا والحسين بن منصور شىء واحد إلا أنَّه أظهرَ وكتمت. وقد استحضرهما الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور فى مسرحيته الشعرية مأساة الحلاج من التراث العربى الصوفى الذى نشأ فى القرن الثالث الهجري. نشأ هذا الاتجاه الذى كان امتدادا لحالة الزهد فى الدنيا مقابل حالة الانغماس فى ملذات الحياة. ومن وجهة نظرى المتواضعة أن هذا الاتجاه نشأ بسبب حالة الصراع السياسى الديني، فكان بعدًا عن السياسة لمصلحة الجمال على الأرض ونبذ الصراع الدنيوى لمصلحة الآخرة . إنه محاولة لإفاقة الحكام من غيهم السياسى للتأكيد على العدالة الاجتماعية وكأن المتصوفين يقولون هذه الضجة الكبرى علام؟ فكلنا من الله وإلى الله نعود. ولعل فى موقف الشبلى من الحكم دليلا آخر على ما أقول. فلقد كان الشبلى واليًا على إحدى المدن القريبة من سمرقند التابعة لآسيا الصغري, فتنازل عن الولاية ووهب أمواله كلها للفقراء . إنه إذن التصوف الذى يساوى معرفة الله الحق والإيمان المطلق بوجوده. ولذلك ليس هناك ارتباطٌ بالصراع السُّلْطَويِّ ولا تعلق بمال أو ولد. يذكر لنا ابن كثيرفى كتابه البداية والنهاية أن الشبلى كان يكتم إيمانه وقربه من الله وصغر الدنيا فى عينه، وهذا موقف بعض الناس من الحياة. بينما يُظهر لنا فى المقابل التاريخي، شخصية الحلاج التى تحاول إظهار الإيمان ليس من أجل السلطة، ولكن من أجل نشر عدالة الجمال على الأرض أو بمعنى آخر نشر العدل من أجل الجمال. لقد فجر الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور-الذى يعد واحدا من كبار الشعراء فى القرن العشرين المجددين فى الشكل الشعري- هذا الموقف الإيمانى من الحياة .ربما كان موقف صلاح عبد الصبور فى الحياة السياسية يشبه موقف الشبلى الذى يكتم عدالة الجمال داخله.لكنه اختلف عنه من خلال كلمته الشعرية الصادمة للواقع والمجتمع. فكونه يستدعى الشخصيتين فى صراعهما الدرامى المتنامى داخل المسرحية لهو فى حد ذاته تبن لرؤيته الصراعية الإيمانية الجمالية وأنا أسحب الرؤية من صلاح عبد الصبور فى مسرحيته العظيمة فأدعو كل الناس إلى قراءتها ليتعرفوا على عظمة الإيمان والعمل به. واستكمالا لمقالى السابق عن التعليم أتمنى من وزير التعليم أن يكون هناك منهج للفنون مستقل بذاته، يطلع الطلاب من خلاله على نماذج من فن الشعر والرواية والقصة والفنون الجميلة. ويكون التدريس من خلال المسرح والأوبرا ومعارض الفن التشكيلي. لنبنى جيلا يظهر الإيمان بالعمل كما الحلاج الذى سكب عطر وردته. لمزيد من مقالات شيرين العدوى