لم نسمع للكلاب نباحًا أو «هوهوة»، بعد توقيع الرئيس عبدالفتاح السيسي، مساء الثلاثاء الماضي، على القرار رقم 419 لسنة 2018 بتعديل بعض فئات التعريفة الجمركية. ولم يصدر عنها أى رد فعل، بعد أن نشرت الجريدة الرسمية القرار، الذى نص على أن يتم العمل به اعتبارًا من يوم الأربعاء 12 سبتمبر الحالي!. القرار يستهدف تشجيع الصناعة المحلية وحمايتها من المنافسة الضارة وغير المبررة. ويحاول تحجيم ما يوصف ب «االاقتصاد الخبيث» القائم على قطاعات غير إنتاجية. إضافة إلى تقليل استيراد السلع غير الضرورية وخفض معدل خروج النقد الأجنبى إلى خارج البلاد. كما أن القرار يعالج تشوهات جمركية استمرت عقودا، إذ لم يكن معقولًا أو مقبولًا أن تكون التعريفة الجمركية على الخامات المستوردة أكبر منها على المنتج النهائى المستورد. غير أن هناك من زعموا أن الهدف الأساسى هو زيادة الحصيلة الجمركية، مع أن نسبتها لا تتعدى 5.5% من إجمالى حصيلة الضرائب، وحتى لو تحقق ما تستهدفه الدولة وارتفعت حصيلة الضرائب إلى 770 مليار جنيه، ووصلت الحصيلة الجمركية إلى 45 مليارًا، فإن نسبة الثانية إلى الأولى ستصبح 5.8% أى ستظل، أيضًا، هزيلة للغاية. تعددت الأسباب أو الأهداف، والنتيجة واحدة، وهى أن القرار سيؤدى قطعًا إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، التى لا غنى عنها للحيوان قبل الإنسان. ولك أن تتخيل حجم الكارثة، عن ارتفاع نسبة التعريفة الجمركية على أغذية الكلاب، المستوردة، من 30 إلى 40% التى سيتم ترجمتها إلى زيادة سعرها بالنسبة نفسها. الأمر الذى قد يثير المخاوف من تكرار «ثورة الكلاب السائبة» التى شهدتها تونس، وكان أبرز نتائجها خروج الكلاب الضالة إلى الشوارع ليلًا ونهارًا، واعتداءها، طبقًا لإحصائيات رسمية، على قرابة 50 ألف تونسي، خلال عامين، ولم تجد إحدى جمعيات الرفق بالحيوان هناك حلًا غير المطالبة بتحديد نسلها حتى لا يتسبب تكاثرها فى مشكلات تضاف إلى ما تمر به تونس من أزمات اقتصادية وسياسية واختناق اجتماعي!. ثورة شبيهة ب «اثورة الكلاب السائبة» التونسية، حدثت فى فيلم «إله أبيض»، وهو إنتاج مجري، ألماني، سويدي، مشترك، أخرجه كورنيل موندريتسو، وفيه قام أحد الكلاب، بعد سلسلة من العذابات التى تعرض لها، بقتل حارسه وتحرير الكلاب الأخري، لتنطلق إلى شوارع العاصمة المجرية، بودابست، وتنتقم من كل البشر الذين أساءوا إليها. وبعد أن تعلن الدولة حالة طوارئ ويختبئ المواطنون (الآدميون) فى منازلهم، تظهر بطلة الفيلم ليلى (جوفيا بشوتا)، الصديقة القديمة للكلب قائد الثورة، وتقوم بعزف لحن على آلة ال «أوبوا»، كانت تعزفه له دائمًا، فيتخلى الكلب عن شراسته وعدوانيته، وتتبعه بقية الكلاب، رفيقة ثورته، فى الاستجابة لنداء السلام!. هل نكون مخطئين لو قلنا إن كلاب مصر تختلف عن كلاب تونس واقعيًا أو المجر سينمائيًا؟! ربما لا نكون مخطئين لو قلنا ذلك. وقد لا نكون مبالغين لو استنتجنا أن الكلاب تحب المصريين الذين يبادلونها الحب نفسه، ويكون حزنهم على فراقها، أحيانًا، أكبر من حزنهم على أقرب الأقربين من البشر. ولعل المثال الأبرز على ذلك، هو أن عباس محمود العقاد، كتب قصائد رثاء لكثيرين على رأسهم سعد زغلول، زعيمه السياسي، ومحمد فريد، الأقرب إلى قلبه، وإبراهيم عبدالقادر المازني، صديق عمره، وكذا مى زيادة، الوحيدة التى أحبها بعنف. ومع ذلك، كانت أفضل قصائده، شكلًا وموضوعًا، معنى وموسيقي، شاعرية ولغةً، هى تلك التى كتبها فى رثاء كلبه «بيجو».. الرئيس الأسبق السادات كان يحب الكلاب، وله صورة شهيرة، سنة 1974، يظهر فيها جالسًا فى حديقة استراحة المعمورة بالإسكندرية، وهو يضع يده على كلب عملاق«جيرمن شيبرد» يرقد مستكينًا إلى جواره. وقبل أن تستدعى ذاكرتك ما يسيء إلى هذا الحيوان المحترم، أحيلك إلى كتاب «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» للشيخ أبوبكر محمد بن خلف بن المرزبان، الذى يعدد فيه مزايا وفضائل الكلاب فى مقابل مساوئ ورذائل البشر. ومن سورة الكهف، عرفنا أن الكلب كان يبسط ذراعيه بالوصيد وهو يلازم الفتية الذين آمنوا بربهم، وزادهم الله هدر، والذين قيل إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم أو خمسة سادسهم كلبهم، أو سبعة وثامنهم كلبهم. الخلاصة، هى أن كلاب مصر، ككل كلاب الأرض، تملك قوّتها بين أنيابها، وتستطيع بها أن تعض أصحابها أو تتخلص منهم لو أرادت. لكنها بدلًا من ذلك تحميهم، إن أحبَّتهم، وقد تضحى بحياتها من أجلهم لو لزم الأمر. وربما لهذا السبب لم نسمع لها نباحًا أو «هوهوة»، منذ مساء الثلاثاء، وإلى الآن. ولا نعتقد أننا سنسمعه لو تم تقليل كمية الأغذية المستوردة التى تتناولها أو جرى استبدالها بأى منتج محلي، أقل جودة وأسوأ مذاقًا، كما لا نعتقد أنها قد تعض يدًا امتدت لها بخير، حتى لو ماتت جوعًا!. لمزيد من مقالات ماجد حبته