تحذيرات الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مشروعات محاور النيل، تكشف التحديات التى نواجهها والتعديات والتجاوزات الهائلة على نهر النيل. أما تصريحات الدكتور محمد عبد العاطى وزير الرى والموارد المائية فتكشف الأزمة التى تواجه منظومة الرى فى مصر. ولعل التساؤل الذى يطرح نفسه الآن هو كيف ستقوم وزارة الرى بالمهام المنوطة بها لحماية النهر من التلوث وإزالة ورد النيل وتطهير المجارى المائية، فى ظل التعديات والمخالفات وغياب الوعى لدى المواطنين بخطورة التعديات على شريان الحياة فى مصر . حجم المشكلة وتداعياتها والحلول المقترحة للمواجهة ترصدها السطور التالية كما يراها المسئولون والخبراء والمتخصصون. يقول الدكتور يسرى خفاجى المتحدث الرسمى باسم وزارة الرى والموارد المائية إنه منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى الحملة القومية لإنقاذ النيل منذ اكثر من 3 سنوات ونصف سنة وتحديدا منذ 5 يناير 2015- أى نحو 44 شهرا- ووزارة الرى مدت الإجراءات الخاصة بهذه الحملة إلى كل المجارى المائية فى جميع انحاء مصر وليس نهر النيل فقط .وبلغ حجم الإزالات 205 آلاف ازالة على الترع والمصارف والمجارى المائية على مستوى الجمهورية منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وهذا يمثل43% من اجمالى ما تمت إزالته على مدى 34 عاما منذ تطبيق القانون عام 1984، مما يعطى مؤشرا على أن الحملة تحقق الكثير من أهدافها بزيادة معدل الازالات، ووزير الرى والمواد المائية دائم الاجتماع بالقيادات للمتابعة وتعزيز الإمكانات والوقوف على تنفيذ التكليفات الصادرة لهم بتطهير المجارى المائية والتنسيق مع الأجهزة المعنية الأخرى بتشديد الرقابة لمنع اى تعديات أو مخالفات على نهر النيل أو المجارى المائية ومنع إلقاء اى مخلفات واستمرار عمليات التطهير أولا بأول للحفاظ على المجارى المائية وتحسين خدمات نقل وتوصيل المياه لجميع القطاعات المستخدمة للمياه. وأوضح خفاجى أن الوزارة تنفق ميزانيات واستثمارات كثيرة، ضمن خططها للأعوام المالية، تصل إلى 250 مليون جنيه على شبكة المجارى والمصارف المائية التى يتجاوز طولها 22 ألف كيلو متر، ونحو 350 مليون جنيه على شبكة الترع البالغ أطوالها 33 ألف كيلو متر وانه نتيجة للتجاوزات والتعديات المتمثلة فى إلقاء مخلفات منزلية وصلبة وقمامة وصرف صحى وخلافه مع نمو ورد النيل والحشائش المائية. تقوم وزارة الرى بتطهير المجارى المائية من جميع العوائق التى تعترض مسار المياه على مستوى نهر النيل والمصارف والترع والأماكن التى يوجد بها تلوث فى نهر النيل حتى وصول المياه للاراضى الزراعية وهناك تنسيق كامل ودائم مع الأجهزة المحلية فى كل محافظة والوزارات المعنية فى الزراعة والبيئة لتشديد الرقابة لمنع إلقاء اى مخلفات على جسور المجارى المائية التى تعوق سريان المياه. وطالب المتحدث بأهمية خروج قانون الموارد المائية والرى الجديد إلى النور مع بداية دور الانعقاد المقبل لمجلس النواب ، لما سيكون له عظيم الأثر فى القضاء على ظاهرة استشراء التعديات والحفاظ على المياه ونهر النيل والمجارى المائية مع التركيز علي زيادة الوعى لدى المواطنين بخطورة تلوث مياه النيل وانسداد مجرى القنوات المائية بسبب الممارسات الخاطئة وضرورة الحفاظ على نظافة مسار المجارى المائية وعدم إلقاء القمامة أو المخلفات الصلبة أو المنزلية فى المصارف والترع لأن هناك مجهودا ضخما تبذله أجهزة الوزارة يوجه إلى رفعها ونقلها خارج القطاع المائى لضمان وصول المياه للنهايات بالكم المطلوب وفى الوقت المناسب، بينما يمكن الاستفادة من هذا المجهود والوقت فى تطهير المجارى المائية من الحشائش وورد النيل وتحسين خدمات نقل وتوصيل المياه إلى نهايات الترع ،وهى المهمة الرئيسية لأجهزة الوزارة المعنية. المجارى المائية ويقول د عباس شراقى أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة إن ورد النيل، وهو نبات مائى سميك للزينة، ينمو بصورة تلقائية وسريع الانتشار، ويستهلك كميات كبيرة من المياه ويخرج منه كميات كبيرة أخرى فى الغلاف الجوى عن طريق التبخر. وهذا النبات موجود منذ أكثر من 100 عام فى مياه النيل ومنتشر فى كل دول حوض النيل وبصفة خاصة فى أوغندا والسودان ومصر ويرجع تاريخه إلى عهد محمد على عندما استورده من موطنه الاصلى من البرازيل لاستخدامه فى الزينة. وهو نبات شره للمياه ويوجد فى المجارى المائية والترع والمصارف وفى نهر النيل ويعوق الملاحة والصيد ويؤثر على الثروة السمكية لأن وجوده بكثرة يمنع أشعة الشمس من وصول الأكسجين فى المياه وبالتالى يؤدى إلى نفوق الأسماك. وأضاف د. عباس شراقى أن نهر النيل، بفرعيه دمياط ورشيد، طوله نحو 1500 كيلو متر ومتفرع منه قنوات رى وترع مثل النوبارية والمريوطية والإسماعيلية ولدينا فى مصر نحو 30 ألف كيلو متر قنوات رى و20 ألف كيلو متر مصارف ومجار مائية بإجمالى 50 ألف كيلو متر من القنوات والمصارف والترع جميعها جاهزة لأن يوجد بها نبات ورد النيل والحشائش بخلاف المخلفات الأخرى. وهناك طريقتان للتخلص من الحشائش وورد النيل، الأولى عن طريق رش المبيدات بالطائرات وهى أسهل ولكن لا يتم استخدامها لأنها ستضر بالمياه والطريقة الثانية وهى الفعالة باستخدام المعدات الميكانيكية برفعها من المجارى المائية وتجفيفها ونقلها ولكنها عملية مكلفة جدا والعائد الاقتصادى من تدوير هذه المخلفات قليل جدا . ولابد من إعادة النظر فى المخصصات المالية لتطهير مجرى نهر النيل والمصارف المائية. دول حوض النيل وأشار أستاذ الموارد المائية إلى الدور المهم الذى تقوم به وزارة الرى من خلال التعاون مع دول حوض النيل ،وبصفة خاصة أوغندا ،فى إزالة ورد النيل والحشائش والأشجار التى تعوق وتحتجز كميات كبيرة فى المستنقعات والبحيرات فى أوغندا حيث يوجد اتفاقيات مشتركة منذ عام 2006 ومستمرة ،وتتحمل بموجبها وزارة الرى التكلفة التى تقدر ب 20 مليون دولار و توفير معدات ميكانيكية مصرية ومهندسين مصريين لتطهير مجرى نهر النيل ووصول المياه إليه .وتعد هذه الاتفاقية المهمة إحدى أشكال التعاون المثمر والجيد بين البلدين حيث المصالح والمنافع المتبادلة .وتستفيد مصر من وصول كميات المياه من دول حوض النيل إليها وقبلها السودان دون عوائق وحتى لا تحتجز هناك وفى الوقت نفسه تحمى السكان فى أوغندا من الفيضانات والغرق لأنها -أوغندا -لا تريد أن تتحمل تكاليف ومشقة التطهير حيث تعتمد على سقوط الأمطار .وما يصل لمصر من مياه لا يمثل 5% من كميات المياه التى تسقط فى دول حوض النيل. سرطان النهر وأكد الدكتور نور عبد المنعم الخبير الإستراتيجى فى شئون المياه أننا نفقد نصف مليار متر مكعب من المياه بسبب ورد النيل الذى يطلق عليه سرطان النهر حيث إنه يستهلك كميات كبيرة من المياه نحن فى اشد الحاجة إليها. وهناك تجارب يمكن الاستفادة منها فى عملية تدوير نبات ورد النيل فى عمليات كيميائية وإنتاج البيوجاز لتوليد الطاقة الكهربائية ويمكن استخدامه كعلف صناعي للحيوان ويستخدم أيضا فى صناعة الأخشاب الورقية وتجرى مراكز البحوث الزراعية الدراسات فى هذا المجال. وطالب عبد المنعم بزيادة الميزانيات المخصصة لتطهير المجارى المائية ومقاومة انتشار ورد النيل والتوسع فى تصنيع معدات التطهير والكراكات من خلال الترسانات البحرية بالشكل الذى يتناسب مع التحديات التى تواجه منظومة الرى فى مصر ولدينا ترسانات الإسكندرية وهيئة قناة السويس ونملك الخبرة والقدرة على التصنيع. عقوبات رادعة ويرى النائب عبد الحميد الدمرداش وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب أن حجم الإزالات التى نفذتها وزارة الرى بالتعاون مع الأجهزة المحلية والوزارات الأخري تنوعت ما بين تعديات ببناء مبان خرسانية أومبان بالطوب الأحمر أو أسوار أو تشوينات.ويشير الى أن العقوبات الموجودة غير رادعة ونحتاج إلى قوانين وعقوبات أشد ردعا للمخالفين. وأشار إلى انه يتم الآن إعداد قانون جديد للرى ويتم مناقشته فى المجلس قريبا فى دور الانعقاد المقبل وسوف يراعى فيه تشديد العقوبات على اى تجاوزات او تعديات على نهر النيل وتحويلها من جنحة إلى جناية وتغليظ عقوبات التعدى على النيل أو على الموارد المائية بتبديدها أو إهدارها وقد تصل هذه العقوبات إلى الحبس. وتجريم التعدى على حرم النيل أو الإضرار بالبيئة النهرية، لردع المخالفين .كما يجرم إهدار استهلاك المياه بالإضافة إلى تجريم زراعة المحاصيل الشرهة للمياه التى تستنزف الموارد المائية لمصر ، وسيضع ضمانات كافية للحفاظ على النيل وحمايته بالدرجة الأولى وسيتم من خلال القانون الجديد تلافى سلبيات القوانين القائمة ومنها خلل الإجراءات المتبعة والعقوبات الحالية غير الرادعة لإزالة المخالفات والتعديات على نهر النيل وشبكة الترع والمصارف والتى أدت إلى زيادة معدلاتها، وذلك كله بهدف تحقيق خطة مصر القومية للموارد المائية ومواجهة التحديات المائية لها.