رسم البسمة على الوجوه يخفف الآلام، ويستميل القلوب، ويعين على متاعب الحياة، لذا حثَّ عليها الإسلام، وأوصى بها النبي؛ صلى الله عليه وسلم، حتى قيل: "البسمة عبادة الوجه"، بل ويُعطى المرء أجر صدقة عنها. وقد عاتب الله، تعالى، رسوله، صلى الله عليه وسلم، عندما "عَبَسَ" في وجه الصحابي عبدالله بن أم كتوم، فتنزلت آيات القرآن، تعاتبه على ذلك.. برغم أن "ابن أم مكتوم" كفيف، ولم ير تعبيرات وجه الرسول، الذي كان منشغلا وقتها بدعوة عدد من كبار القوم، وكان "ابن أم مكتوم" طارئا عليه. لكن الله تعالى، أنزل في هذه الواقعة، التي قد يراها البعض بسيطةً، قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة، تأكيدا لأهمية التخلق ببشاشة الوجه، مهما كانت الأحزان التي تلاحق المرء؛ لقوله تعالى: "عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4)". وبحسب الآيات؛ نهى الله، تعالى، عن العبوس في وجه من لا يراه المرء.. فكيف بمن يراه أصلا؟. تلك كانت لحظة استثنائية في حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم.. تخلى فيها عن البسمة، إذ كانت سجية له، لا تفارق مُحياه، وضيئة وبلا تكلف، لذا كان، صلى الله عليه وسلم، أكثر الناس تبسُّمًا؛ لحديث عبد الله بن الحارث، رضي الله عنه، قال: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم". (رواه الترمذي، وصححه الألباني). ولم يكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يرى أحدا إلا ابتسم في وجهه. فعن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: "ما حجبني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسمَ في وجهي". (رواه مسلم). والأمر هكذا، كان، صلى الله عليه وسلم، إذا "ضَحِكَ مِن أحسنِ الناس ثَغْرًا"؛ كما وصفه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في حديث "صحيح مسلم"، بل كان إذ ضحِك "بدَتْ نواجِذُه"، كما ورد عن ثلة من أصحابه. و"النواجذ" أقصى الأضراس بالفم. والأمر هكذا، كان نشر الابتسامة بين الناس، وصيةَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه، فعن أَبي ذرٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله: لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ". (رواه مسلم). وفي صحيح البخاري "عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ"، ومعنى "طَلْق" و"طَليق": "سهل، منبسط، ضاحك، مستبشر، متهلِّلٌ"، وفق علماء، وذلك "من أخلاق النُّبوة، وجالب للمودَّة"، كما وصف "ابن بطال". ويترتب على الابتسامة ثواب عظيم.. فعن أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ". (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ لا تَسَعون النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْط الْوَجْه، وَحُسْنُ الْخُلُق". (رواه البيهقي، وقال الألباني: حسن لغيره). ولأهميتها؛ بوَّب البخاري في "صحيحه": (باب: التبسم والضحك)، وجمع مسلم في "صحيحه" أحاديث في التبسم. البسمة، إذاً، عبادة إسلامية، وسنة نبوية، ومفتاح للقلوب، ومصنع للبهجة؛ تنثر عبيرها في حنايا صاحبها، فتتعطر بها روحه، وينتعش بها مَنْ حولَه. فلنحرص، إذن، على رسم البسمة على وجوهنا، وإحيائها بين الناس. فقد قيل: "ابتسم لمن تحب ليشعر بحبك، وابتسم لعدوك ليشعر بقوتك". وقال ابن عيينة: "البَشَاشَة مصيدة المودَّة". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد