كانت العطوف في أول عهدها جزءا من العاصمة الجديدة التى بناها جوهر الصقلي وسماها القاهرة، لتكون مقرا للقصور التى يسكنها كبار موظفي الدولة الفاطمية وحولها الحدائق التى يتنزهون فيها ولكنها اتخذت اسمها نسبة لاسم أحد ساكنيها وهو عطوف الصقلي خادم ست الملك بنت العزيز بالله شقيقة الحاكم بأمر الله التى كانت لها معه أهوال. ولكن بعد أن تولى الناصر صلاح الدين أمور الحكم في البلاد، فتح بوابات القاهرة أمام المصريين الذين كانوا يجبرون على مغادرتها بعد إنجاز أعمالهم بالنهار للسادة الفاطميين وأتباعهم. وتوالت القرون على العطوف وتغيرت الحال حتى صارت مقرا للفقراء من العمال وصغار الصناع والتجار، لكنها ذاع صيتها لما صار فتواتها من أكبر فتوات المحروسة وكانت حارة العطوف مرهوبة الجانب عندما يتولى أمر الفتونة فيها أحد أبنائها الأقوياء لينازع فتوات الأحياء والحارات الأخرى الشهرة والصدارة في عالم الفتوات. ويكتظ تاريخ المعارك الطاحنة بالأحداث الساخنة بين نبابيت فتوات الجمالية في حوارى العطوف وكفر الزغارى والحسينية وغيرها التى صارت جزءا من تاريخ القاهرة الشعبي الذي تشم روائحه وتلقى شخصياته في عالم نجيب محفوظ ابن الجمالية الذي حدثتنا رواياته عن زمن الفتونة، فما أن تسير في تعرجات العطوف بعد اجتياز باب النصر لتأخذك عطفاتها في رحلة في عمق الحاضر الشعبي الذي ينبض فيه التاريخ حيا في المباني مثلما يحيا في وجوه ساكنيها. والحارة تركت عصور الفتنة والفتونة والآن أهلها مظللون بالسلام وهم يكابدون الحياة في بيوتهم القديمة التى تم تجديد بعضها ولكن الكثير مرشح للاندثار تحت وطأة الزمان الذي يقهر بنبوته أقوى الفتوات.