قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى التى تستضيفها بكين يومى 3 و4 سبتمبر 2018، هى أول لقاء جماعى بين الصين والدول الأفريقية بعد دخول الاشتراكية الصينية إلى العصر الجديد، وهى لقاء آخر بين الزعماء من الصين والدول الأفريقية منذ قمة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا فى عام 2015. وتلبية لدعوة الرئيس الصينى شى جين بينج، يقوم الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بزيارة إلى الصين وحضور هذه القمة. هذه هى المرة الخامسة التى يزور فيها الرئيس السيسى الصين وثانى زيارة دولة له إلى الصين. بصفتى سفير الصين لدى مصر، أشعر بارتياح وسرور وأتطلع إلى نتائج إيجابية لهذه الزيارة. عندما نسترجع مسيرة العلاقات بين الصين ومصر، نجد أن البلدين أقاما العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء فى مايو عام 1956، مما فتح صفحة جديدة للعلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول الأفريقية، ودخلت العلاقات بين الصين ومصر بل وجميع الدول الأفريقية إلى مرحلة تطور جديدة. رغم بعد المسافة الشاسع بين الصين ومصر، يتبادل البلدان التفاهم والثقة والدعم عبر التاريخ. يمكننا أن نقول إن علاقة الصداقة والتعاون بين الدولتين نموذج أمثل للتعاون المخلص والبنّاء بين الصين وكافة الدول الأفريقية. تلعب الصين دورا بارزا فى تقديم الدعم للدول الأفريقية فى مسيرتها لتحقيق الاستقلال وتحرير الشعوب وتعزيز البناء والتنمية. الصين أكبر دولة نامية فى العالم وقارة أفريقيا هى القارة الى تضم أكبر عدد من الدول النامية. وتعتبر الصين الدول الأفريقية شركاء تعاون على قدر كبير من الأهمية. لذا، تتمتع الصين والدول الأفريقية بقوة دافعة كبيرة وأساس متين للتعاون فى كافة المجالات. كانت أفريقيا هى المقصد الأول لأول جولة خارجية قام بها الرئيس شى جين بينج، عندما تولى مهام منصبه كرئيس للصين فى عام 2013، وعندما أعيد انتخابه لفترة ثانية فى هذه السنة. هذا يرمز إلى اهتمام الحكومة الصينية وشعبها بتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية والتطلعات البناءة إلى التعاون معها. فى يوليو 2018، قام الرئيس الصينى شى جين بينج بزيارة إلى بعض الدول الأفريقية للمرة الرابعة، لتعزيز الدبلوماسية بين رؤساء الحكومات والتعاون بين الصين والدول الأفريقية. أكد الرئيس شى جين بينج على التمسك بمبادئ «المودة والإخلاص والمنفعة المتبادلة والشمول وبمفهوم الأخلاق والر ؤية الصائبة للمنفعة والأخلاق لدفع بناء العلاقات الدولية الجديدة ورابطة المصير المشترك للبشرية لتطوير العلاقات مع الدول الأفريقية بشكل إيجابى أكثر. تدعم الصين أعمال المحافظة على السلام والتنمية فى الدول الأفريقية وتقدم الدعم لها فى أروقة الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات والمحافل والمناسبات الدولية، كما ترسل الصين قواتها للمشاركة فى قوات حفظ السلام، والفرق الطبية للمشاركة فى أعمال العلاج والسيطرة على الأمراض والأوبئة الخطيرة، وتنقل إمدادات الإغاثة إلى المناطق المتضررة. تحقيق التنمية هو أكبر وأهم القضايا فى الدول الأفريقية. تسعى الصين إلى تعزيز التعاون العملى ودفع التجارة والاستثمار وتعزيز التبادلات التكنولوجية فى إطار مبادرة الحزام والطريق لدفع تنمية الدول الأفريقية فى البنية التحتية وعملية التصنيع فيها، كل هذا يتم من أجل تحقيق التنمية الأكبر. مصر دولة كبيرة فى قارة أفريقيا ودولة نامية. يواجه الجانبان الصينى والمصرى مهام التنمية المشتركة ويتميزان بأساس التعاون الجيد. تتمتع مصر بموقع جغرافى جيد وهى تعد محطة نقل هامة حيث تربط الشرق الأوسط وقارتى أفريقيا وأوروبا. فى الوقت الحالي، تعمل الحكومة المصرية على إصلاح الاقتصاد لجذب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص العمل وتحسين معيشة الشعب المصري. حاليا، تدخل الصين العصر الجديد من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية حيث تعمل على توسيع نطاق الإصلاح والانفتاح. كل من الصين ومصر يدخل إلى مسيرة التنمية الجديدة. تتفق إستراتيجية تنمية الصين مع مصر إلى حد كبير. لذا، يتمتع البلدان بآفاق تعاون واسعة. فى عام 2014، خلال زيارة الرئيس السيسى إلى الصين، وافق الجانبان على إنشاء الشراكة الإستراتيجية الشاملة، مما رفع سرعة تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. فى يناير عام 2016، قام الرئيس شى جين بينج بزيارة تاريخية إلى مصر لدفع التنمية العميقة والشاملة بين الجانبين. خلال السنوات الأخيرة، تقود اللقاءات بين الزعيمين فى كل سنة اتجاه التطور الواضح والقوى بين البلدين. يقوم البلدان بتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، إذ يتبادلان الآراء فى إدارة الحكومة ويتعاونان فى معالجة القضايا الدولية والإقليمية. فى نفس الوقت، يشهد التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى تطورا سريعا. على سبيل المثال، تتقدم أعمال مشروع إنشاء خطوط شبكات كهرباء جهد 550 كيلو فولت لشبكة الكهرباء المصرية بشكل سلس. وتجرى أعمال مشروع القطار الكهربائى بمدينة العاشر من رمضان المصرية، ومشروع بناء المنطقة التجارية المركزية للعاصمة الإدارية وغيرهما من المشروعات المتعلقة بحياة المواطنين بشكل جيد، الأمر الذى يرفع علاقة التعاون بين البلدين إلى مستوى جديد ويشجع ثقة الناس لتعزيزها. أود أن أشير إلى أن التعاون الاقتصادى العملى بين الصين ومصر يأتى فى مقدمة مجالات التعاون بين الصين والدول الأفريقية. تعد منطقة السويس للتعاون الاقتصادى الصيني- المصرى من أولى مناطق التعاون الاقتصادي، وقد أصبحت مشروعا هاما للتعاون الصيني- الأفريقى فى إطار مبادرة الحزام والطريق. يولى الزعيمان الصينى والمصرى اهتماما بالغا لهذا المشروع. فى عام 2016، شارك الرئيس الصينى شى جين بينج والرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى مراسم تدشين المنطقة الموسعة لمنطقة قناة السويس للتعاون الاقتصادي. الآن، تعمل العشرات من الشركات فى هذه المنطقة وتتجاوز قيمة استثماراتها مليار دولار أمريكى وتوفر آلاف فرص العمل للمحليين وتدفع ضرائب بمبالغ كبيرة إلى الحكومة المصرية. بفضل منطقة التعاون الاقتصادي، تتوسع قدرات الإنتاج ويرتفع مستوى الإنتاج فى المجالات المعنية فى مصر، وتعد دفعات كبيرة من الفنيين المتخصصين ومسؤولى إدارة الشركات الممتازين. حققت الأعمال فى بعض الشركات اختراقا كبيرا فى مصر بل وفى أفريقيا. بفضل تلك المشروعات، تمكنت مصر من الدخول إلى الصف الأمامى فى بعض القطاعات فى العالم. أنا على ثقة تامة بأن منطقة التعاون الاقتصادى الصيني- المصرى ستحقق إنجازات أكبر بفضل الجهود المشتركة بين الصين ومصر. فى المستقبل، تقف العلاقة بين الصين ومصر فى مرحلة تطور تاريخية. فى قمة جوهانسبرغ لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى فى عام 2015، أشار الرئيس شى جين بينج إلى خمس ركائز رئيسية للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والدول الأفريقية، هى التمسك بالثقة المتبادلة والعدالة فى السياسة، التمسك بالتعاون والفوز المشترك فى الاقتصاد والتمسك بالتبادلات والاستفادة المتبادلة بين الحضارات والتمسك بالدعم فى شؤون الأمن والتمسك بالتعاون والتضامن فى الشؤون الدولية، فضلا عن السعى إلى تحقيق عشر خطط للتعاون. لذا، يمكننا أن نقول إن العلاقات بين الصين والدول الأفريقية أصبحت من أنشط الشراكات العالمية وتتميز بالإمكانيات الضخمة، والتعاون بين الصين ومصر صورة مصغرة للتعاون بين الصين والدول الأفريقية. موضوع قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، هو «التعاون والفوز المشترك والتعاون فى بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول الأفريقية». وأنا على ثقة تامة بأن الصين والدول الأفريقية ستعمل على تعميق التبادلات والتعاون فى كافة المجالات بهذه المناسبة سعيا إلى تحقيق التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة وتقديم المساهمات الفعالة لتحقق الدول الأفريقية أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وأجندة الاتحاد الأفريقى لعام 2063. الصين والدول الأفريقية ومنها مصر، تعمل على بناء رابطة المصير المشترك فى الساحة الدولية إذ أنها تحمل الأمنيات الجميلة وتسعى إلى خلق مستقبل باهر. أتمنى أن تكون قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى نقطة انطلاق جديدة لتحقيق التنمية المشتركة والازدهار المتبادل، وأتطلع إلى التطور الأكبر للتعاون والتضامن بين الصين والدول الأفريقية ولتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك.