ما ذكرت الحارة القاهرية إلا وذكر معها نجيب محفوظ، حتى صار كلاهما يشير إلى الآخر، لكن قد نجد من الظلم أن نختزل أدب محفوظ فى حياة الحارة ونختزل الحارة فى فتوة وغانية وعالمة، كما أن الحارة المحفوظية القاهرية ليست فقط فى المشربيات والمقاهي، فصفحات الروايات والقصص تموج بأشكال أخرى من البشر. فنجيب ابن الحارة والدرب والزقاق، سلك بنا من بين القصرين وبيت القاضى والعطوف والحسنية إلى حارات وأزقة النفس البشرية فى أبطال رواياته حتى تلك التى لم تظهر فيها الحارة واختفت فيها الخلفية الشعبية للأبطال. الحارة واحدة يسهل وصفها وهناك كثيرون نافسوا محفوظ فى هذا المجال ولكن روعة أعماله الحقيقية كانت فى الشخصيات الثرية التى تتهاوى علينا من قريحته فيكشف لنا فى رحلته داخلها عن خفايا الإنسان فى ضعفه وقوته وسموه وانحطاطه. أنت لا تكاد تجد أثرا للحارة فى كثير من رواياته فى كل مراحل تطوره الأدبى من شبابه إلى شيخوخته وإن وجدت فهى فى الخلفية البعيدة على سبيل المثال فى روايات الشحاذ والسراب ورحلة ابن فطومة والعائش فى الحقيقة وأفراح القبة وميرامار وأصداء السيرة الذاتية تلك التى انطلق فيها من ضيق حارات القاهرة إلى متسع حارات الكون الفسيح. فمن الظلم أن يشغلنا سحر حارات نجيب محفوظ عن قدرة هذا الساحر الذى أخرج من قمقمه شخصيات وأفكار ومواقف لا ينافسه فيها أحد من أدباء العالمين.