لأنه نفى مرارا وتكرارا وجود أزمة اقتصادية فى بلاده ، فلا حرج إذن أن يعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن عزمه بناء قصر رئاسى جديد فى بلدة أخلاط التاريخية التابعة لمدينة تبليس شرق الأناضول، هذا ما قاله هو نفسه، وليس غيره، أمس الأول الأحد أمام حشد من أنصاره فى «موش» التى كانت فيما مضى قلعة أرمينية كاثوليكية. ولم لا يأخذ هذه الخطوة، التى تأتى فى الذكرى السنوية ال947 للمعركة التى انتصر فيها الأتراك على البيزنطيين، حتى ولو لم تكن الأموال جاهزة فلابد من تجهيزها طالما الهدف هو تكريم الماضى التليد وإعادة الاعتبار للسلاجقة العظام. وطالما قال فهذا أمر لا رد له، وعلى المعنيين الشروع فى التنفيذ، ألم يفعل هذا مع قصره الرئاسى ذى الألف غرفة والذى اقتطع من أجله آلاف الهكتارات من «أورمان أتاتورك» بحدائقها الغناء العامرة خضرة وبهاء، ضاربا بالبيئة والقانون عرض الحائط وحجته آنذاك هى أن الأحكام القضائية التى صدرت ضد «رغبته» جاءت من قبل قضاء غير مستقل. وبما أن البلدية التى هى تابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم قد أعدت بالفعل الأرض ومساحتها خمسة أفدنة ، فلماذا لا يتم التشييد؟ هنا جاء رد حاكمها «المعين» وليس المنتخب الحاسم سيحدث فور انتهاء التصاميم الهندسية. وها هى ثورة التغريدات تجد متنفسا لها على مواقع التواصل الاجتماعى تطلق سيلا من الانتقادات: كيف لبلاد تئن من واقع اقتصادى مترد فقدت عملتها ما يزيد على 40 % من قيمتها فى أقل من ثمانية أشهر، ورئيسها يفكر فى بناء «كشك» (تعبير باللغة التركية يقصد به مقر رئاسة الجمهورية) آخر ؟ وحتما لابد وأن يليق الصرح المزمع بوريثة الإمبراطورية العثمانية. وبطبيعة الحال لا يرد فى ذهن الرئيس أبدا إن فترات انحطاط مرت بها ، فكل عصورها مجد وافتخار فقط، الأشرار الصليبيون هم الذين أطلقوا عليها رجل أوروبا المريض . المفارقة، أنه بالتزامن مع إعلان هذا النبأ «السار» لشعبه هكذا تصور، كان صهره بيرات البيراك ووزير الخزانة والمالية ينهال على قطاع التعليم مستقطعا 2 مليار ليرة مما تبقى من ميزانية وزارة التعليم بعد حساب رواتب الأشهر الستة الأولى للعام المقدرة بنحو 10 مليارات و633 مليونا و716 ألفا و788 ليرة، أى ما يقرب من 18% من إجمالى الميزانية، وهى التى كانت مخصصة لصيانة المدارس وإنشاء مدارس جديدة، بزعم خفض النفقات. وفى محاولة لتقليل آثار الأزمة الطاحنة التى تمر بها بلاده ، قام بتجنيب 20 مليون ليرة من المنح المقدمة للطلاب حتى المرحلة الثانوية، و103 ملايين ليرة من مساعدات السكن كدعم لأهالى الطلاب، 7.5 مليون ليرة خصصت للطلاب الذين سيتوجهون للمدارس الخاصة وطالت الاستقطاعات أيضا العديد من قطاعات التعليم وأعمال ترميم المدارس وبناء أخرى جديدة. كذلك تم إلغاء مبلغ 705 ملايين ليرة سبق تخصيصه لمشروع «التابلت» الذى كان من المقرر أن يقدم لتلاميذ وتلميذات المرحلة المتوسطة من التعليم الأساسي. وبحسب جريدة «جمهوريت» فقد أصبحت وزارة التعليم التى تهتم بشئون ملايين الأطفال وأسرهم أولى ضحايا الأزمة الاقتصادية التى تعصف بالاقتصاد التركي.