جاءت كلمة أبو بكر البغدادى زعيم داعش الأخيرة مباشرة بعد كلمة غريمه فى سوريا أبو محمد الجولانى الذى كان قد انشق عليه بالسابق، والإصداران الصوتيان مرتبطان من جهة طبيعة وضع تركيا الحالى فى الحرب، ورغبتها فى حل عقدة الشمال السوري. أعلن الجولانى الذى تسيطر جبهته على ستين بالمائة من إدلب التمرد على قيادة تركيا لمجمل الفصائل المسلحة، لأنه يشعر بأن الأتراك سيرجحون مصالحهم مع روسيا على غرار ما حدث بالسابق، محذرًا مقاتليه من الانخداع بتركيا مجددًا، وشدد على عدم الوثوق بأردوغان، أو الاعتماد على نقاط المراقبة التركية بإدلب. يحرص أردوغان على الظهور بمظهر المسيطر فى الشمال السورى عبر إدارة ملف التنظيمات الإرهابية المسلحة، وهو يستمد نفوذه لدى موسكو من المقدرة على التأثير فى هذا السياق، ونجح فى إثبات ذلك عقب اتفاق أستانة 4 عبر إصدار أوامره لجبهة النصرة «فتح الشام حاليًا»، وحدث بالفعل انسحابها من مناطق شرقى السكة وأبو الضهور وتسليمها للنظام السوري. استطاعت تركيا احتواء بقية الفصائل المسلحة التى هى على خلاف وعداوة مع جبهة الجولاني، ودمجها ضمن القوات العاملة فى غصن الزيتون، أو درع الفرات وريف حلب وبعض فصائل إدلب، وهو يلعب على المتناقضات والعداء بين هذه الفصائل والنصرة، لكنه حرص على عدم وقوع اقتتال بينهما للإبقاء على أوراقه فى مظهر موحد. خشى أردوغان من تحولات موسكو التى قد تصب فى غير صالحه خاصة مع رغبتها وتوجهها للتنسيق والتعاون مع واشنطن فى الملف السوري، ومع حضور توجه للنظام السورى مدعومًا من موسكو ومرضيًا عنه من قبل واشنطن لتفكيك أزمة الأكراد بمنحهم حكما ذاتيا فى الشمال السوري. صارت معركة إدلب الفاصلة وشيكة الوقوع مع قرب السيطرة على الجنوب السورى من قبل الجيش السوري، وكان متوقعًا لها نهايات أغسطس الحالي، وهناك ما استجد فى مشهد الأحداث وجعل أردوغان يشعر بالخطر على مستقبل نفوذه فى الملف السوري. تمرد الجولانى وخروجه عن طوع أردوغان علانية يهدد خطط أنقرة التى حرصت على تفادى سيناريوهات تشتيت قوى المعارضة الذى أدى إلى سقوط العديد من المناطق بأيدى النظام مثلما حدث فى الغوطة الشرقية بريف دمشق. بينما تحرص أنقرة على أن يجرى الخروج من المناطق والمدن وفق تسويات تكون هى طرفًا فيها لا تحت ضغط حصار أو نصر عسكرى حتى تظل بأيديها أوراق قوة، ولتستثمر انسحابات الميليشيات المسلحة بأوامر منها فى إحراز مكاسب سياسية تحققها فى مناطق أخري. ما يهم أنقرة بالدرجة الأولى خلال المرحلة المقبلة هو الحفاظ على سيطرتها على إدلب وريف حلب، بهدف الإبقاء على عقبة عسكرية موالية لها تحول دون استعادة الجيش السورى العربى السيطرة على شمال البلاد، لكن يهدد مستقبل هذا الحضور الضغوط الروسية والاتفاقيات التى تبرم بين موسكووواشنطن وتل أبيب. حرصت موسكو على تعطيل الهجوم الشامل على إدلب لإعطاء فرصة لأردوغان لإنهاء ملف جبهة النصرة، فيمَ يخشى أردوغان إطلاق الضوء الأخضر لاستهدافها من قبل الفصائل الأخرى تحسبًا لأى تحول تفرضه موسكو لا يحقق مصالح تركيا خاصة ما يتعلق بملف أكراد سوريا. بدورها رفضت فتح الشام «النصرة» بقيادة الجولانى مقترحًا تركيًا بحلها واندماجها فى باقى الفصائل، لكونها تدرك جيدًا أن الضغوط الروسية من جهة والأمريكية من جهة أخرى على أردوغان ستوصل إلى تسوية أكدتها تصريحات المسئولين الأتراك عقب اجتماعات مع نظرائهم الروس ألمحت بوجود تعاون مشترك للقضاء على جبهة فتح الشام المصنفة إرهابية. فى حال نجح الاتفاق التركى الروسى لتفادى هجوم موسع مشترك على إدلب سيكون تجميع أردوغان للفصائل لقتال جبهة الجولانى لا لقتال الجيش السوري، وبذلك تنهى أنقرة الانشقاق والتمرد داخل صف الميليشيات الموالية لها. سيكون أردوغان هو الخاسر الأكبر إذا تم الهجوم الموسع على إدلب فى ظل انقسام صفوف التنظيمات الموالية له، وحتى يتجنب ذلك فهو مطالب بتنفيذ ما هو مسند إليه من قبل الروس الذين يؤجلون المعركة الحاسمة نظير إجبار أردوغان لجبهة فتح الشام على حل نفسها، وهو ما يسمح بطرد المقاتلين الأجانب واستيعاب المقاتلين السوريين ضمن التسويات التى تضمن بقاء أردوغان فى المشهد. يتطلب هذا أوراقًا عسكرية مضافة فى يد أردوغان بالنظر لحجم قوة جبهة الجولاني، ولذلك ركزت كلمة زعيم داعش الأخيرة على المشهد السورى بعد عام من الاختفاء. داعش ذراع تركيا الوفية التى استعادت قوتها فى العراق نتيجة طرد الأكراد من ديالى وغيرها وفى سوريا نتيجة إضعاف أردوغان للأكراد السوريين، يدرك أن إدلب هى فرصته الأخيرة فى سوريا من باب حاجة أردوغان لإخضاع الجولاني، إما للحل أو قبول التسوية تحت الإشراف التركي، حتى لا تكون المعركة المحتملة هى بداية نهاية أردوغان والإرهابيين التابعين له فى الشمال السورى. لمزيد من مقالات ◀ هشام النجار