90 عاما مرت على توقيع معاهدة المودة والصداقة بين مصر وأفغانستان التى وقعها من الجانب المصري واصف بطرس غالى باشا وزير الخارجية المصري وقتها (الابن الثانى لبطرس غالى باشا رئيس وزراء مصر 1908-1910) وسردار على أحمد خان محافظ كابول فى القاهرة. واجتازت العلاقات المصرية الأفغانية منذ ذلك الوقت الكثير من المراحل، وان كانت تجدر الإشارة هنا إلى أن الفراعنة كانوا أول من أقاموا علاقات تجارية مع أفغانستان، حيث جلبوا الأحجار الكريمة التى كانوا يتزينون بها من هناك. وكانت فترة الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن الماضى من أهم الفترات فى تاريخ العلاقات بين مصر وأفغانستان فكان الاهتمام بالتبادل الثقافى والأدبى بين الدولتين كبيرا جدا، وفى فترة الستينيات تحديدا، عندما قطعت مصرعلاقاتها مع عدد من الدول، كانت أفغانستان هى التى تتولى رعاية المصالح المصرية. ثم انخفض مستوى العلاقات بين البلدين فى الفترة من 1978 إلى 1992 إثر تدخل الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ووصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستواها، حيث أصبح التمثيل الدبلوماسى الأفغانى فى مصر لا يتعدى سكرتيرا أول أو ثانيا. ومع بداية عام 2001 بدأت مرحلة جديدة فى أفغانستان بالانتقال المتحضر للسلطة لأول مرة فى تاريخها ودخلت العلاقات الثنائية مرحلة جديدة، وبدأت الزيارات تتوالى بين البلدين وآخرها زيارة الدكتور عبد الله عبد الله الرئيس التنفيذى لجمهورية أفغانستان إلى مصر بناء على دعوة وجهت إليه من الرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة. ويشير فضل الرحمن فاضل سفير أفغانستان فى القاهرة إلى وجود مواطنين من أصول عربية فى أفغانستان منذ زمن بعيد جاءوا مع الفتح الإسلامى أو بعده إلى خراسان السابقة أو أفغانستان الحالية وبعضهم من نسل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم و يطلق عليهم فى أفغانستان لقب «السادات» وهو ما يعادل لقب «الأشراف» المستخدم فى مصر والدول العربية وفيهم من أحفاد الصحابة ويسمون الأنصاريون ومنهم العلماء والشعراء. ويضيف السفير فاضل أن مصر حرصت طوال السنوات الماضية على تقديم كل سبل الدعم الممكنة للشعب والحكومة الأفغانية، بما يسهم فى الحفاظ على سيادة واستقلال أفغانستان، والعمل على تحسين المستوى المعيشى للشعب الأفغانى فى كل المجالات. وعقب هزيمة 5 يونيو 1967 توافد الأفغان إلى السفارة المصرية طالبين التطوع للقتال وتبرعوا بالمال كما تبرعت النساء بالحلى مساندة لمصر. علاقات قديمة وجود حجر اللازورد الكريم على المجوهرات الفرعونية خير دليل على عمق جذور العلاقات المصرية الأفغانية، حيث احتوت مقبرة الملك الفرعونى توت عنخ امون ،الذى حكم مصر فى القرن 14 قبل الميلاد العديد من المصوغات الذهبية المطعمة باللازورد الذى مصدره محافظة بادخشان بشمال شرق أفغانستان. ويعد جمال الدين الأفغانى هو همزة وصل أخرى بين أفغانستان ومصر، وقد جاء إلى مصر فى عام 1288 هجرية، وهو يعد من أكبر المدافعين عن حرية شعوب الشرق. وتلقى الكثير من أبناء مصر الأوفياء العلم على يديه، مثل الإمام العظيم الشيخ محمد عبده، وأيضًا استفاد الكثيرون من أفكاره التحررية، مثل الزعيم الخالد سعد زغلول. ولد جمال الدين الأفغانى فى عام 1254 هجرية فى أسعد أباد التابعة لمحافظة كنر، وينتمى والده السيد صفدر إلى «سادات» كنر ويتصل نسبه بالإمام المحدث على الترمذى ويرتقى إلى سيدنا الحسين فهو من السلالة النبوية الطاهرة ولذا أطلق عليه لقب «السيد». وبمناسبة الذكرى ال150 لحضور جمال الدين الأفغانى لمصر لأول مرة، وذكرى مرور 180 عاما على مولده عام 1838 م أقيم له مؤخرا تمثال فى حديقة الحرية بالزمالك. ويستشهد السفير فاضل بما قاله الأفغانى عن مصر، حيث وصفها بأنها «باب الحرمين الشريفين مقدسة أرضها قداسة أرضهما، وقضيتها هى أهم قضايا المسألة الشرقية فإذا عزت انتصرت ديار الإسلام وإذا أصابتها الجراح أحدثت الفساد بجسد الأمة الإسلامية، لأن العروق بين مصر وجسد الأمة شديدة والاتصال، إنها أهم مواقع الشرق وروح الممالك الإسلامية». دور الأزهر ومن أبرز مظاهر الوجود المصرى على أرض أفغانستان البعثة الأزهرية فى كابول التى لا تقتصر فقط على النشاط التعليمي، ولكن يمتد نشاطها ليشمل جوانب أخرى ثقافية مثل البرامج التليفزيونية الأفغانية التى يشارك فيها أعضاء البعثة الأزهرية، وعقد الورش التدريبية، والمسابقات الأدبية، ويدرس أكثر من 830 طالبا بالمعهد الأزهرى المصرى فى كابول، بالإضافة إلى 1045 طالبا أفغانيا ما بين مرحلة الليسانس والماجستير والدكتوراه يدرسون حاليا بالأزهر الشريف منبر الوسطية فى العالم الإسلامي. وتمت زيادة عدد المنح المصرية للطلبة الأفغان خاصة الفتيات، بالإضافة إلى عقد اجتماع فنى بين المتخصصين من الجانبين لمناقشة سبل زيادة التبادل التجارى والتعاون الاقتصادى بين البلدين. وينظر الرئيس الأفغانى أشرف غنى بعين التقدير لجهود العلماء والفقهاء المصريين الأجلاء على مر التاريخ، داعياً إياهم إلى بذل المزيد من الجهد، لإشاعة قيم التسامح والتكافل فى أفغانستان، والتصدى بالحكمة والموعظة الحسنة لدعوات التطرف والغلو، مضيفاً أن الدور الذى يمارسه مبعوثو الأزهر الشريف فى أفغانستان يتجاوز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية المتميزة التى تجمع البلدين. وتقديرا لدور الأزهر خصص الرئيس الأفغانى قطعة أرض مميزة لتكون مقرا جديدا للبعثة الأزهرية، متمنيا اتساع نشاط الأزهر الشريف ليشمل مدنا أخرى بأفغانستان إلى جانب كابول. وتستعين أفغانستان بالخبرات المصرية فى مجالات الزراعة، والغزل والنسيج، والتنقيب عن الآثار وترميمها.