فى حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام مؤتمر الشباب فى جامعة القاهرة وجه حديثه إلى الحكومة ومؤسسات الدولة الاقتصادية بضرورة التوقف عن التوسع فى سياسة القروض حتى لا تصل الديون إلى مناطق المخاطر على مستقبل الأجيال المقبلة.. وأشار الرئيس إلى أن حجم الدين المحلى اقترب كثيرا من 3٫5 تريليون جنيه بجانب أكثر من 80 مليار دولار هى حجم الدين الخارجى وقد وصلت- خدمة الدين إلى 542 مليار جنيه سنويا وهى أرقام مزعجة وتحتاج إلى وقفة على كل المستويات ابتداء بترشيد الإنفاق الحكومى وانتهاء بوضع خطة متكاملة لمواجهة التوسع فى القروض.. نحن الآن أمام عدد كبير من المشروعات الضخمة التى تحتاج إلى مئات المليارات من الجنيهات بل إن بعضها بالفعل فرض أرقاما ضخمة على الاقتصاد المصرى مثل قناة السويس ومحطات الكهرباء والإسكان والطرق والسكة الحديد والمياه والمجارى والصرف الصحى وكلها أزمات فرضت نفسها على الواقع المصرى أمام خدمات انتهى عمرها الافتراضي أمام إهمال طويل لمطالب الحياة فى مصر.. كانت توجهيات الرئيس للحكومة بضرورة ترشيد سياسة القروض والتوقف عند هذا التوسع المغرى الذى وصل بالديون إلى هذه الأرقام وهنا ينبغي أن نتوقف عند بعض الجوانب التى تحتاج إلى حسم وترشيد أهمها مايلى: أولا: لابد أن تمسك مؤسسات الدولة يدها عن الإسراف فى الإنفاق العام لأن الكثير من الشواهد فى تصرفات الحكومة تضعها فى مصاف الدول الغنية وليست الدول المدينة.. إن ما يقام فى الوزارات من احتفاليات ومواكب السيارات ومنشات جديدة وأعداد هائلة من المستشارين والمنتفعين والمغامرين وهذا العدد الرهيب من السفريات للخارج فى مهمات كثيرة يمكن أن تتم فى مصر وليس خارجها.. إن جداول السفر للسادة المسئولين تعكس فكرا غريبا فى هذه الرغبات المحمومة فى سفر الوفود مع كبار المسئولين إلى الدول الأجنبية.. وبجانب الرحلات والسفريات هناك أيضا إقامة منشآت ومبان جديدة وتغيير المواقع وشراء السيارات وهذه الأشياء لا تتناسب أبدا مع ظروف الدولة والأعباء التى تفرضها كل يوم على المواطنين فى الضرائب والالتزامات والأسعار والظروف المعيشية الصعبة التى يتحملها المواطن ويجب أن تشعر بها الدولة بكل مؤسساتها. ثانيا: مازالت قضية الإنتاج حتى الآن فى مصر من القضايا المؤجلة .. مازال المواطن المصرى يطالب فقط بالحقوق ولكنه تخلى تماما عن شىء يسمى الواجب فى أن يعمل وينتج ويشارك وفى ظل معادلة مقلوبة بين وطن يستدين وشعب بلا إنتاج سوف تزداد أعباء الديون وفوائدها وتراكمها وهنا لابد أن يكون الإنتاج فى كل المجالات هو العامل الذى يتصدى لأعباء الديون.. إن صادرات مصر الصناعية شىء لا يذكر فى كل المجالات كما أن إنتاجنا الزراعي تراجع والدليل ما حدث للقطن والأرز وهما من أهم صادرات مصر, أما السياحة فمازلنا نقف عند حدود الآثار القديمة وسياح العشرة دولارات رغم أن لدينا الشواطئ المبهرة والأماكن الفريدة, والمطلوب فكر جديد لتسويق السياحة المصرية.. هناك جانب نسأل الله أن يكون مورد خير ورخاء وهو الغاز والبترول وسوف يغير أشياء كثيرة فى حياة المصريين.. ولكن يبقى الاهتمام بالإنتاج والتصدير وتوفير احتياجات المواطنين بديلا عن الاستيراد, وقبل هذا كله تشجيع الصناعة المصرية وتقديم إنتاج جديد قادر على مواجهة المنافسة فى الأسواق الخارجية. ثالثا: مازالت الآمال كبيرة فى عمليات التوسع فى الاستثمار فى مشروعات قناة السويس وهى حلم مصر المقبل ومشروعات التنمية فى سيناء والمشروعات الضخمة فى صعيد مصر, ولا شك أن هذه الانجازات سوف تضيف موارد كثيرة للاقتصاد المصرى يمكن من خلالها سداد الديون وفوائدها حتى يجىء الوقت الذى تستغنى فيه مصر عن الاقتراض تماما.. على جانب آخر فإن التوسع فى المشروعات الصغيرة سوف يفتح آفاقا واسعة أمام الشباب ويواجه أزمة البطالة وملايين الشباب الذين لا يجدون عملا. رابعا: يبدو أحيانا أن هناك حالة من التناقض والتعارض فى سياسة الاقتراض الداخلى والخارجى هناك أكثر من جهة لها حق الاقتراض دون التنسيق مع الجهات الأخرى المسئولة وهناك تداخل شديد بين جهات مسئوليتها الاقتراض وجهات أخرى تنفيذية تقوم بعمليات الاقتراض ومنها المؤسسات الإنشائية وهنا يصعب تحديد الرقم الحقيقي للديون سواء الداخلية. أو الخارجية إن معظم أنشطة الإسكان تقوم على القروض وهى بعيدة عن مسئوليات البنك المركزى كما أن المؤسسات الدولية تتعامل مع أكثر من جهة بما فى ذلك وزارة الاستثمار والتعاون الدولى والمالية والبنك المركزى وكان ينبغى أن يصب كل شىء عند جهة واحدة وهى البنك المركزى.. إن غياب هذا التنسيق يترك فراغا شديدا بين مسئوليات الجهات المختلفة التى من حقها أن تستدين وتحصل على القروض وآخر جهاز تم إنشاؤه هو صندوق مصر وتشارك فيه أكثر من جهة ومن حقه أن يحصل على القروض دون مراجعة من المؤسسات الأخرى المسئولة.. إن المطلوب أن تكون هناك عملية تنسيق لسياسة القروض تحت مسئولية جهاز واحد ليكن البنك المركزى حتى يكون على علم بكل ما يجرى فى قضايا القروض.. إن اخطر ما فى غياب التنسيق أن تكون هناك قروض لا تخضع لرقابة البنك المركزى وتتم من وراء مؤسسات الدولة. خامسا: مازلت اعتقد أن سياسة البنوك المصرية تحتاج إلى فكر جديد يشجع على الاستثمار والإنتاج وأن تخرج من كوابيس الودائع المكدسة فيها بالمليارات ان قيمة المال الحقيقية أن يتحول إلى مشروعات تنتج وتوفر السلع وتوفر فرص العمل للمواطنين وأن يفتح مجالا للتصدير وتحقيق العائد الاقتصادي المناسب.. أما إذا بقى المال سجين الخزائن والودائع والقروض والصكوك فسوف تتناقص قيمته مع الوقت ولهذا لا ينبغي أن تكتفي البنوك بأن تجمع مدخرات المواطنين وتضعها فى خزائنها.. لقد أنشأ طلعت حرب بنك مصر ومعه عشرات المشروعات ابتداء بالمحلة الكبرى وانتهاء باستديو مصر وفتح من خلال مدخرات المصريين آفاقا جديدة للعمل والإنتاج والاستثمار.. إن الشىء الغريب الآن أن يقتصر نشاط البنوك على الودائع والإقراض وأن تختصر نشاطها التمويلي فى تقديم قروض للدولة أو الأشخاص.. إن اليوم الذى يفتتح فيه كل بنك مصرى مصنعا جديدا أو مؤسسة إنتاجية و يوفر من خلالها آلاف الفرص للشباب العاطل هو الانجاز الحقيقى. سادسا: لا احد ينكر انجازات الدولة فى قطاعات الإسكان والمرافق والطرق والمواصلات والخدمات وهذه المشروعات استنزفت أموالا كثيرة ولكنها لا تحقق العائد الاقتصادي الذى يتناسب مع ما انفق عليها من أموال.. إن تركيز النشاط الاقتصادى فى مصر على المشروعات الإنشائية يحرم الدولة من مشروعات إنتاجية يمكن أن تحقق العائد الأفضل وتوفر فرصا للعمالة قد لا تتاح فى مواقع عمل أخرى.. إننا نعلم أن هناك خدمات فرضتها أزمات كثيرة حلت بالمواطن المصرى طوال السنوات الماضية خاصة الإسكان لكن التنمية الحقيقية لابد أن تقوم على قواعد إنتاجية وتصديرية ولنا فى دول شرق آسيا اكبر دليل على دول قامت على الصناعة لأنها لا تملك أى موارد اخرى. سابعا: مازال السؤال الملح فى مسيرة التنمية فى مصر وهى تقوم على ثلاثة مصادر هى الديون والضرائب ومدخرات المصريين فى البنوك وأموال المصريين العاملين فى الخارج بجانب الموارد التقليدية وفى مقدمتها قناة السويس, أين رجال الأعمال المصريون وكلنا يعلم أن أرصدتهم فى الخارج كبيرة ولماذا انسحبوا من مسيرة التنمية فى مصر إن كل النشاط الخاص فى مصر يقوم على العقارات سواء كانت تجارة فى الأراضي أو الشقق وتراجعت تماما مسيرة الصناعة المصرية وواجهت السياحة ظروفا صعبة والمطلوب أن يعيد المصريون أموالهم إلى بلدهم لأنها أولى بهم وهم أولى بها.. لقد تحملت الطبقات الفقيرة أعباء المرحلة وظروفها بكل الصبر والعطاء سواء فى مشروع قناة السويس أو فى ارتفاع الأسعار أو فى الزيادات التى فرضتها الحكومة فى صورة أسعار أو رسوم أو ضرائب وكان ينبغى أن يشارك رجال الأعمال فى دفع مسيرة الاقتصاد المصري والخروج به من محنته وأزماته.. هناك مليارات من الدولارات يستثمرها فى الخارج رجال الأعمال المصريون رغم أن مصر وشعبها أولى بها.. الخلاصة عندى أن الرئيس السيسى حين توقف عند قضية الديون ومخاطرها على مستقبل الأجيال المقبلة وضرورة أن تكون هناك وقفة معها خاصة أن لنا تاريخا طويلا معها كان يحذر من سياسة التمادى فى القروض لأن لها مخاطر كبيرة.. الديون تنقذ الأوطان والهروب من الأزمات ولكنها لا تبنى أوطانا ويجب أن نستخدمها فى حدود المطلوب فقط حتى لا تتحول إلى عبء دائم على أجيال لم تولد بعد.. نحن أمام ثلاثية لابد أن نبحث لها عن حل وهى قضية الديون وزيادة الإنتاج والزيادة السكانية.
..ويبقى الشعر
ركبُ الزمان ِ يطوف فى عبراتى وأنا أراكَ تطل من عرفاتِ وأمامكَ التاريخُ يسجدُ خاشعًا والحقُ حولَكَ شامخُ الراياتِ وتودعُ الدنيا بوجهٍ مشرق ٍ فيه الجلالُ.. ونبلُ كلِّ صفاتِ تبكى الجموعُ وأنتَ تهمسُ بينها قد لا أراكم فى الحجيِج الآتى لكننى أودعتُ فى أعناقكم قرآنَ ربى.. سيرتى وحياتى لا لن تضلوا إن تمسكتم به فخلاصُ هذى الأرض ِفى آياتى ويطلُ وجُهكَ خلف ستر ٍ خافتٍ فترى حشودَ الحق ِ فى الصلواتِ وترى الوجوهَ وقد أضاءَ جلالُها والد هرُ يكتبُ أقدسَ الصفحاتِ وتصيحُ فيهم أن غاية َ ديننا طهرُ القلوبِ ورفعة ُ الغاياتِ فجرُ الضمير رسالتى لا ترجعوا للكفر بعدى.. فى ثياب طغاة ِ لا تقربوا الأصنامَ بعدى إنها بيتُ الضلال ِ.. وآفُة الآفاتِ ولتعْبدوا الرحمنَ ربًا واحدًا فعلى هداهُ تفجرتْ صيحاتى الله خالقُ كل شىء فاجمعوا أشلاءَكم بالحق ِ والرحماتِ وحدتُ أشلاءً.. جمعتُ شراذمًا وجعلتُ من طلل ِ الشعوبِ بُنَاتى الظلمَ فى ركبِ الحياةِ ضلالة ٌ والعدلُ نورُ اللهِ فى الظلماتِ والذْمُ فى وجهِ الحياة جريمة ٌ وتميمة ٌ للرجس ِ واللعناتِ والحقُ أولى أن تُصانَ حصونُه ليظلَ تاجَ الأرض ِوالسمواتِ والأرضُ عرضٌ والدماءُ محارمٌ ونقاءُ مال ِ المرءِ بالصدقاتِ حرية ُ الإنسان ِغاية ُ ديننا وطريقُنا فى كل فجر ٍ آتى ونساؤكم فى كل بيتٍ رحمة ٌ تاجُ العفافِ وسَامُ كل فتاةِ والعدلُ دستورُ الحياةِ فإن مضى هَرعتْ حشوُد الظلم ِ بالويلاتِ والحكمُ عدلٌ والشرائعُ حكمة ٌ والنفسُ عندى أكبرُ الحرماتِ أهلُ الكتابِ لهم حقوقٌ مثلنا فى الأمن ِ.. فى الأوطان ِ .. فى الصلواتِ اللهُ ساوى الخلق وحد بينهم فى العيش.. فى الأنسابِ .. فى الدرجاتِ أما الحياة ُوديعة ٌفى سرها هل يستوى الأحياءُ بالأمواتِ ؟ ويلٌ لأرض ٍ ماتَ فجرُ ضميرها موتُ الضمائِر قمة ُ المأساة ِ لكننى أيقنتُ أن رسالتى فيها الهدى من خالق ِ السمواتِ بلّغْتُ يا اللهُ فاشهد أننى لم أنسى حق رعيتى ورُعاتى زوروا المدينة َ.. وأذكرونى عندها من زار قبرى صافحته حياتى أنا لم أكن إلا رسولا ً قد خلتْ قبلى رسالاتٌ وهدىُ عظاتِ بشرٌ انا.. ما كنتُ ربًا بينكم بل كنت فجرًا لاح فى لحظاتِ وأفاضَ فى الدنيا.. وأيقظ َأهلها بالحق ِ.. والَتَنزيل ِ.. والآياتِ فإذا بدا فى الأفق ِغيمٌ عابثٌ صلوا على.. وأكثروا الصلواتِ
من قصيدة «على باب المصطفى» سنة 2010 لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة