حقيقةً، لا أتصور أن حديثاً جاداً حول حاضر ومستقبل الوطن، إلا وتحتل فيه «النخبة» موقعاً مركزياً، يمكن أن ننطلق منه إلى دراسة وتحليل جميع القضايا الوطنية الأساسية. لا أستثنى من ذلك نوعاً من النخب الوطنية، سياسياً كان أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو علمياً، أو حتى دينياً أو فنياً أو رياضياً. ذلك أن مجتمعاً نامياً؛ كمصر، تنهض فيه النخب بدور فاعل فى تكوين وتشكيل وتوجيه الرأى العام، المحلى والدولي. فضلاً عن الإسهامات «المفترضة» للنخب فى شق قنوات آمنة من التواصل المشروع بين المجتمع المحلى والدولة بمؤسساتها الرسمية. غير أن حديثى عن النخب الوطنية، يصح أن أستبقه بملاحظات سريعة وموجزة، عساها لا تبتعد بنا، إن تمسكنا بدلالاتها، عن سبيل المصلحة الوطنية. فأقول: حديثى دائماً سيُعلى من أهمية دور النخبة، بل ومسئوليتها، فى بناء وتنمية المجتمع ورقى الدولة. إلا أنه أبداً لا يناهض «الديمقراطية» باعتبار الأخيرة، عندى، سبيلاً إلى التنمية يرقى كثيراً لمستوى الهدف ذاته. فلست أستبدل مشاركة شعبية حقيقية بمجموعة منتقاة نخبة، وإنما أدفع بحديثى إلى تعزيز دور النخبة فى توسيع دوائر المشاركة المجتمعية فى صناعة القرار الرسمى للدولة. لا أميل إلى التقليل من شأن الأهداف والمصالح التى جمعت كل «نخبة» فى إطار نشاطها العام، سياسة، اقتصاد، فن، إلا أن قناعة قوية ينبغى أن تسود بين أفراد النخبة، مؤداها أن المصلحة الوطنية هى الضمانة الحقيقية لاستقرار مصالح أفراد النخبة. كذلك لا أنكر على أفراد النخب ما قد يتميزون به عن غيرهم من كفاءة وموهبة تمكنهم من القيام بأدوار بارزة فى المجتمع. إلا أن حديثاً على هذا النحو، يروق قطعاً لأهل النخب، ينبغى أن نستكمله بالإشارة بقوة إلى دور المجتمع فى إفراز هذه النخب. بل أن اعتراف المجتمع بها لهو الجدير بالاهتمام من جانب أفراد النخب. وهنا علينا أن ننتبه إلى حتمية حركة التغيير فى حياة المجتمعات، وما يستتبعها من تجديد، صحى ومنطقي، للنخب. لاشك يقلق أفرادها. ومهم هنا أن ندرك كيف أن هذا التجديد لا يأتى دائماً من الداخل، نتيجة الصراع والمنافسة داخل النخبة، بل يلزمه شرعية ينالها من المجتمع. وعليه فالنخبة صنيعة مجتمعها فى المقام الأول، قبل أن تكون نتاج قدرات فذة ومواهب فردية لأفراد النخبة. قدرة النخبة على تنظيم نفسها ينبغى ألا تنتج احتكاراً يستند إلى ضعف تنظيم العامة وتفرق وتشتت المجتمع تحت وطأة تحدياته. وتحديد النخبة أهدافها لا يحق أن يسبق أهداف المجتمع أو يقفز عليها. وترتيب النخبة أولوياتها ليس له أن ينسحب من طابور المسئوليات الوطنية. أقول هذا وقد رأينا فى بلدى كيف أن تنظيم الأحزاب مثلاً، وهم شريحة مهمة داخل النخبة السياسية، أدى إلى شيوع حكم القلة. يدهشنا إذن أن الأحزاب ما نشأت فى الأصل إلا لتوسيع مبدأ المشاركة السياسية!. ووجدنا أيضاً أن تحديد أهداف النخب يأتى وفقاً لمصالح ذاتية يصعب عليها ملاقاة المصلحة الوطنية، ولو فى منتصف الطريق. انظر معاناة صندوق «تحيا مصر» فى استنهاض وطنية النخب. وعليه، يمثل أمامنا بوضوح كيف أن أولويات النخب قلما تغادر مواقعها الحصينة أمام مصالح ذاتية قصيرة قصر نظر أصحابها، تدفع باستبسال كل ما يرونه مهدداً سياج نخبتهم. من هنا ننطلق، فى أحاديثنا القادمة، لا نبتغى إلا نخباً وطنية قادرة على الاضطلاع بمسئولياتها الوطنية. غير محكومين بأهواء شخصية. فلا يسحبنا مُغرض إلى دوائر التشكيك فى الوطنية. ولا يلومنا كل «نخبوى» حبيس مصالحه، أسير ذاته. لمزيد من مقالات ◀ عصام شيحة