* أعلن استعداده للحوار مع الهند والمساعدة فى استقرار أفغانستان من أماكن غير متوقعة قد تضئ النجوم في سماء السياسة من حين إلى آخر، فقد دخل الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان البيت الأبيض من باب شاشة السينما ، وتولي نجم ليبيريا جورج ويا حكم بلاده من باب كرة القدم، وبالتالي ليس مفأجاة أن يكون الباكستانى عمران خان لاعب الكريكيت السابق علي مشارف تشكيل حكومة بلاده، بعد فوز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي . وهو ما أثار الجدل فى باكستان صحيح أن الرياضة تسحر الآلاف، لكن عندما يتعلق الأمر بقيادة الرياضى لبلاده سياسيا فإن الأمر يختلف حينها، ليبدأ التردد والدهشة، لكن عمران خان أعلن التمرد علي اليقين الموجود لدي البعض بأن الرياضى مكانه الملاعب فقط، وأن قدرتهم في عالم السياسة ضعيفة، علي أي حال مهما كان الجدل حول قدرات خان السياسية فأن فوز حزبه في الانتخابات الباكستانية يعد الأبرز والأهم في حياة خان.
رحلة عمران خان مع السياسة عنوانها التحدي، بدءا من تحدى الذات إلي تحدي النمطيات الجاهزة التي تصنف الرياضى في خانة من ليس له علاقة بالسياسة، فأثار الانتباه ووضع الجدل حوله في كل مكان من الاعلام إلي المنابر السياسية والمنتديات، فمنذ دخوله المعترك السياسي منذ قرابة 22 عاما، مدعيا أنه اتخذ تلك الخطوة من أجل إنقاذ بلاده من مستنقع الفساد، تعرض خان، (65 عاما)، لحملات من السخرية، ليصاب في البداية بالفشل بعدما أصيب بهزائم انتخابية ومكاسب ضئيلة، إلا أن عدم استسلامه علي تحقيق حلمه جعله يكسر حاجز اليأس والاحباط فحقق السبق وأطل علي المجتمع الباكستاني ليس بوصفه لاعب الكريكيت، لكن بصفته صاحب الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، ليصبح علي بعد خطوات من رئاسة وزراء باكستان، بعدما حصل حزبه «تحريك إنصاف» علي 116 مقعدا من إجمالي 272، وذلك بعدما استغل حالة الضعف التي أصابت أشهر حزبين في باكستان، وهما «حزب الرابطة الإسلامية» و«حزب الشعب»، اللذين كانا يتناوبان السلطة فيما بينهما خلال العقود الماضية. فقد حصل حزب «الرابطة الإسلامية» علي 64 مقعدا. ولم يختلف الأمر كثيرا مع «حزب الشعب»، والذي فاز ب 43 مقعدا فقط. «خطاب النصر» وفوز خان ليس نهاية المطاف بل إنه بدايته، فباكستان، التي يبلغ عدد سكانها 212 مليون نسمة، بها العديد من الملفات المشتعلة، التي في حاجة إلي إدارتها بشكل جيد، لذلك فما أن أعلنت المؤشرات الأولية فوز خان في الانتخابات حتي خرج ليلقي علي مؤيديه «خطاب النصر»، حيث يرى أن محاربة الفساد هى جواز مروره إلي قلوب الباكستانيين، متعهدا بتحسين الوضع الاقتصادي المتأزم، فلدي باكستان أزمة في ميزان المدفوعات حيث بلغت ديونها الخارجية 90 مليار دولار ووصلت ديونها الداخلية إلى 16 مليار دولار علاوة علي أن ما لديها من عملات أجنبية يغطي نحو شهرين فقط من الواردات، وهناك طريقان هما الأقرب أن يسلكهما خان، الأول الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي سيكون منقذها علي المدى القصير، رغم أنه ليس بأمر يسير لاحتمالية عرقله واشنطن إقراضها. والثاني هو الاستمرار في حصول دعم من الصين, حيث بينهما خطة اقتصادية مشتركة تبلغ تكلفتها 62 مليار دولار، والمعروفة باسم «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» كاستثمار طويل الأجل من شأنه زيادة التجارة. ولا تقل مشكلة غياب الأمن أهمية، لذا أكد خان عمله علي محاربة الإرهاب، الذي يهدد إستقرار البلاد وأنه سيدعم امن واستقرار جارته أفغانستان لأن ذلك من شأنه تحقيق امن واستقرار بلاده أيضا، كما أعلن استعداده للحوار مع الهند وأن كل خطوة سلام من قبل الهند ستقابل بعدة خطوات من باكستان، وأنه يتطلع لعلاقات متوازنة مع الولاياتالمتحدة وذات مصالح متبادلة ولن تكون اسلام اباد مجرد تابع. من الكريكيت ل «باكستان الجديدة» في كل محطات حياته كان مثيرا للجدل, فخان ولد عام 1952 في مدينة لاهور، واستلهم من مدرسة «القواعد الملكية بانجلترا صباه وشبابه، بعدها التحق بجامعة أكسفورد لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة، والتى تخرج منها عام 1975، لينطلق بعدها إلي لعبة الكريكيت٬(المضرب) حيث أطل من شرفة الرياضة علي العالم، وهي اللعبة الأشهر في باكستان، والتى بدأ ممارستها وعمره 18 عاما، حيث بدأ سطوع نجمه بها وهو في لندن منذ ظهوره الأول خلال مباراة له ضد انجلترا، ثم قاد باكستان للفوز ببطولة العالم عام 1992. ليعلن بعدها اعتزاله اللعبة، والاعلان عن الدخول في مرحلة جديدة تمنحه شهرة أكبر. حيث بدأ يكتب مقالات فى صحف باكستانية وانجليزية، كما عمل كمعلق رياضي لمباريات الكريكيت. عمران خان ثم تطرق خان لمجال مختلف تماما, وهو الأنشطة التطوعية والإنسانية الخيرية ففي عام 1994 افتتح مستشفى شوكت خانوم للسرطان في لاهور احياء لذكرى والدته، التي استسلمت لهذا المرض، كما عمل خان كممثل خاص للرياضة لمنظمة اليونيسيف، وبرامج تحسين الصحة والتحصين في بنجلاديش وباكستان وسريلانكا وتايلاند. وحينما قرر الدخول للمعترك السياسي، كانت أولي الطرق التى سلكها هي المعارضة ضد الحكام السياسيين، وعلي رأسهم برويز مشرف واصف زرداري، ولكن لم تؤخذ آراؤه علي محمل الجد حيث لم يكن ينظر له علي انه سياسي ذو ثقل. وفي عام 1996 أسس خان حزبه السياسي «تحريك إنصاف»، ثم جاءت أولي تجاربه الانتخابية في عام 1997 مخيبة للآمال حيث لم يتمكن من الحصول علي أي مقعد في البرلمان. وفي عام 2002 انضم للبرلمان بعدما حصل حزبه على مقعد واحد، ثم أعلن استقالته من البرلمان، هو و85 نائبا آخرين، احتجاجا على الانتخابات الرئاسية، التي شارك فيها مشرف بدون الاستقالة من منصبه كرئيس للجيش، وفي 2007، تم وضع خان قيد الإقامة الجبرية في منزل والده بعد ساعات من إعلان مشرف حالة الطوارئ في البلاد، وبعد خروجه، اعتقل مرة ثانية بعد اتهامه بتحريض الشعب ضد مشرف والمطالبة بإعدامه،، ليسطع نجمه بشكل كبير في عام 2011, مع مطالبته بالتغيير والتمرد علي الفساد لبناء باكستان جديدة. وقد تزوج خان 3 مرات، أولاها عام 1995 من البريطانية، جمايما جولدسميث، بعدما أشهرت إسلامها، وأثمرت زيجتهما طفلين، سليمان وقاسم، ولكنهما انفصلا عام 2004 . ثم تزوج من الصحفية ومقدمة البرامج الباكستانية، ريهام خان عام 2015، ولكن لم تستمر زيجتهما سوي بضعة أشهر لينفصلا في العام ذاته، وقد حاولت ريهام مع بداية انطلاق حملة خان الانتخابية في بداية العام الجاري تشويه سمعته والنيل من شعبيته ، وكانت آخر زيجاته في فبراير الماضي، من الباكستانية بشري مانيكا، ويتهم البعض خان بأنه سياسي انتهازي وبرجماتي يعمل لمصلحته فقط، وهو ما يضطره لتغيير مواقفه ومبادئه وآرائه السياسية من النقيض للنقيض أحيانا، ومن ابرز تلك المواقف دعمه للانقلاب العسكري بقيادة الجنرال برويز مشرف عام 1999، لكنه ندد برئاسته قبل أشهر عدة من انتخابات عام 2002. ورغم أن أكثر الكلمات التي دوما ما يرددها خان في خطاباته هي «باكستان جديدة»، والتى يقصد بها القضاء علي الفساد ومحاربته، فإن البعض يراه فاسدا يرتدي ثوب البطولة، مستشهدين باستعانته بمن يسمون ب «المنتخبين»، والمقصود بهم الساسة الذين لا يمتلكون مواقف أو مبادئ سياسية ولا ينتمون لحزب بل يتنقلون بين الأحزاب المتنافسة، حيث إنهم أشبه بالكارت الرابح دائما وذلك بسبب استغلالهم ثرائهم الفاحش لجذب الناخبين. ومن ناحية أخري، يري البعض أن ظهوره اليوم في ثوب رجل ديني بعد ما كان يعرف عنه من استهتار وعلاقاته النسائية المتعددة وشهرته السابقة كأبرز المترددين علي النوادي والملاهي الليلية في لندن، هدفه الحصول علي المزيد من الشعبية، خاصة وان البعض وجه له اتهامات مباشرة بأنه يتساهل مع التطرف الديني والإدلاء بتصريحات مقربة لحركة طالبان الأفغانية حتى أطلق عليه «طالبان خان» رغم اعتراض خان علي ذلك جملة وتفصيلا وأنه لم يتساهل معهم بل انه يري ان محادثات السلام مع الجماعات المتطرفة هي الحل الأمثل لحل الصراع وليس العنف.