هناك ما يجمع المخرجين «أحمد نادرجلال وعز العرب العلوى ».. فكلاهما صاحب رؤية وموقف ومبدأ.. وكلاهما يرى للمخرج حقا فى امتلاك وجهة نظر ينبغى إعلانها فى العمل الفنى ..الأول تناول قضايا بلاده ومجتمعه بصراحة لاتخلو من مواربة, فى فيلمه الأول «عايز حقى» وباقى أفلامه «واحد من الناس وأبو على».. والثانى رأى أن سنوات الرصاص التى مرت بها بلاده تستوجب جبر خاطر أهالى مجتمع كان سجنا للمعارضين ..وكلاهما لا يهمه الوجود بكثرة الأفلام إنما بقوة القيمة, والعيش عبر التاريخ ، والصلاح فى كل زمان ومكان. كلا المخرجين درس السينما..الأول «رضعها» من عائلته، وأكمل دراستها فى معهد السينما ..والآخرنال أطروحة الدكتوراه حولها.. وهناك ما يفرق بينهما، فالأول يرى ان السينما فن وصناعة وتجارة بينما يؤكد الآخر أنه «لا يمكن ان انظر للسينما بمنظور العرض والطلب والتجارة»..!! الأول يراها رسالة واضحة تسهم فى التغيير والانقلاب على الموروث، بينما يراها الثانى سؤالا دائما يجيب عنه كل مشاهد حسب ثقافته وفهمه. فى الحالتين نحن أمام تجارب نضجت وأفلام نجحت واحتلت مساحة فى السوق السينمائية العربية ..لأحمد نادر جلال فيلم جديد هو «بنى آدم» ينتظر عرضه خلال أسبوعين ويعود به لدور العرض إثر غياب تجاوز السنوات الخمس ..وللعلوى فيلم جديد هو «دوار البوم» الذى يعود به بعد غياب طال كثيرا وامتد لأكثر من 6سنوات. رأينا فى «الأهرام» أن مناقشة التجربتين واجب وأن الحوار معهما ضرورة، انطلاقا من وعد صادق، وقول حق. * أحمد نادر جلال: أحاول الاختلاف جاهدا.. وتجذبنى سينما المستقبل بقدرتها على التغيير جلال ويوسف فى كواليس بنى آدم زادت كتلة الشعر البيضاء على جبهته مع اتمامه ال 43 عاما منذ يومين ومعها زادت مساحات النضج الفنى فى رأسه الأشقر، واستعاد مجد أجداده ووالده.. فهدأت قليلا طموحاته الجامحة، وثبت فى 15عاما مشروعه الفنى كمخرج من الصف الأول ..واحتمى بموهبته من غدر بعض المنتجين وتقلبات الأيام ..فمنذ إطلالته الأولى بفيلم «عايز حقي» -الذى صار عنوانه وموضوعه فيما بعد شعارا ورمزا -وهذا الشاب الأربعينى لم يهدأ عن الحركة..يبدو فى حالة تفكير دائم ..يصارع أفكاره التى تؤرقه ..يذكر نفسه يوميا برباعية: جاهين «خوض معركتها زى جدك ماخاض..صالب وقالب شفتك بامتعاض..هيا كده ..ماتاخدش منها الأمل ..غير بعد صد ورد ..ومتاع مخاض». ومثل والده «نادر جلال» وجدته «مارى كوينى» خاض الابن «أحمد جلال» معركته ونال الأمل ..إلا أن أقدامه لم تهدأ ولا تزال أفكاره السينمائية وتخطيطه لمستقبل الأيام يشغل باله.. وفى فيلمه القادم «بنى آدم» المقرر عرضه فى عيد الأضحى يعيد تثبيت تجربته، ويعود به بعد انشغال درامى مخطط له أيضا.. وليؤكد أنه صانع نجوم ومحرك لعجلة فنية هو وحده المتحكم فى مسيرتها ، لذا جاء معه هذا الحوار. هل هناك ما يمكن كشفه عن الفيلم الذى تتكتم تفاصيله كعادتك فى أعمالك خاصة بعد نزول «التيللر»؟ رغم الانطباعات الأولى التى حكمت على الفيلم بأنه «أكشن» تشويقى غامض إلا أنه ليس كذلك ،هو فيلم «سيكو دراما» ،والأكشن به فى حدود ومساحات إقل مما كان فى أفلامى السابقة أو المسلسلات الدرامية التى عرضت الأعوام الخمسة الماضية. تكرار العمل مع يوسف الشريف ومحمود الجندى كممثلين وعمرو سمير عاطف كمؤلف وعمرو إسماعيل كموسيقي، كفريق ثابت فى كل أفلامك.. يعنى أنك على قناعة بأن المخرج هو البطل الحقيقى للفيلم؟ يصعب إثبات هذا الاستنتاج،،فالعمل مع فريق محدد سلسلة أعمال متوالية يصنع التفاهم المطلوب ،والبطل الحقيقى لأى فيلم هو تلك الخلطة السرية التى يصنعها المخرج والمنتج والممثل والمؤلف وباقى الفريق، وتذكر أن معظم أفلامى لنجوم آخرين: «هانى رمزى، وأحمد حلمى، وكريم عبد العزيز»، وفيلم «بنى آدم» هو الأول لى مع الممثل يوسف الشريف ،وكلامك عن التكرار ناتج من أن الفيلم ياتى بعد أربعة مسلسلات مع نفس الممثل وهى مصادفة، وليست تخطيطا. هذا الكلام يخالف مقولة كثيرا ما كنت ترددها بأن طبخة الفيلم «نفس» يملكها المخرج؟ ليست مخالفة، إذا توافرت الكيمياء الفنية بين فريق الفيلم وبين يدى مخرج فاهم ،وأجاد استغلالها تأكد أنك ستتناول وجبة شهية أو بالأصح سوف تشاهد عملا ذكيا. ولكنك أيضا نادرا ما تغير منتج أعمالك؟ هذا صحيح ،وليس سهلا العثور على منتج فاهم، وتعاملى مع وليد صبرى وتامر مرسى يتبع تجارب عدة ناجحة وموفقة دراميا وسينمائيا . عملت من قبل مع بلال فضل المعارض الموجود خارج البلاد-والآن تخرج فيلما لعمرو سمير عاطف وهو من العينة نفسها، بداخلك نزعة ثورية أبانت نفسها فى مجمل مشروعك الفنى وهو أمر يدعو للقلق والتخوف ..عليك لا منك؟ لا يحق لى تصنيف من أعمل معهم حسب اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، ولا أسمح لمعتقداتى الفكرية بأن تتحكم فيما أقوم به من عمل فني. بلال فضل كان مميزا فى كتابة الحوار، وعمرو سمير عاطف كتب «أولاد العم» وهو فيلم وطنى بامتياز، فى كل الحالات لا يستطيع أحد أن يمرر أفكاره ومذاهبه من خلالي. أعرف جيدا ما يحتاجه الفيلم من عناصر نجاح ،وأتحكم بهذه العناصر وعلى وعى تام بما يريده وينتظره الجمهور .وافلامى ومسلسلاتى ثبتت نفسها كأعمال فنية أحبها الجمهور وفهمها رغم أنها كانت مغايرة لإرادته، إذن تخوفك وقلقك ليس لهما مبرر. إذن ما الذى تريد قوله من فيلمك الجديد «بنى آدم»؟ ربنا كريم وبيسامح. أخشى أنها دعوة مصالحة، ورسالة سياسية اكثر من كونها فنية؟ لا تسبق الأحداث، دعنا نشاهد الفيلم أولا، وسوف تكتشف عدم صحة هذا الكلام. يوسف الشريف لم ينجح له فيلم «العالمي»، أنت تغامر به سينمائيا ؟ تجربة «العالمي» كانت منذ تسع سنوات، وأعتقد أن يوسف طور من نفسه وأدواته الفنية، وأثبت بعدة مسلسلات ناجحة أنه فنان يملك رؤية وصاحب تجربة، كما أنه صاحب فكرة الفيلم. هذه نقطة اخرى غير مطمئنة؟ . ليه، الأفكار على قارعة الطريق، يمكن ان تجدها مع أى شخص حولك، وعليك اقتناصها والبناء عليها، هذه طبيعة الأشياء فى عالمنا الفني. تقول أن فيلمك «ليس أكشن» كما أفلامك السابقة ولكنك استعنت بمخرج لمشاهد الأكشن من جنوب افريقيا مثلما فعلت من قبل؟ هذه المرة استعنت ب «انتونى فوسي» بديلا لاندرو ماكينزى الذى عمل معى من قبل ولكن الفيلم فعلا ليس «أكشن» خالصا ،وسوف يجد الجمهور غايته ومراده. قلت من قبل إن السينما فن وصناعة وتجارة، وهى الخلطة التى تبدو واضحة فى أفلامك ولكنك خالفت ما تعلمناه من والدك الذى آمن بها كفن، وخالفت مثالك شريف عرفة الذى آمن بها كصناعة؟ دائما ما كان والدى يردد أن السينما هى تلك التركيبة الثلاثية ، الفارق يحدث عندما يجيد المخرج استخدام هذه التركيبة ،فالفيلم فى نظرى سلعة استهلاكية يدفع لها الجمهور ثمنا كى يشاهد ما يتمناه من متعة وفنون ورؤية، وأؤمن بأن السينما قادرة على إحداث أى تغيير مجتمعى تسعى إليه الأمم الراغبة فى التقدم والرقى، جاهدا أحاول الاختلاف وتقديم ما يرضى المستهلك الأول وينال إعجابه ويستفز أفكاره الثابتة، عن قناعة واقتدار لا عن تزييف وانبهار . يؤرقنى المخرج الذى يعتبر أفكاره سابقة لأولويات جمهوره.. هل أصبحت هكذا كمخرج؟ ربما كنت كذلك، واستطعت علاج نفسي أو ربما أنقذك ذكاؤك الفنى الذى ورثته عن عائلتك ؟ ربما.........