بالرغم من أن الانتماء للدولة الوطنية هو الطاغي، ومن خلاله ننقل تجارب الحضور للآخرين، فإننا فى المواجهة الحضارية نتحرك فى الفضاء الثقافى العربى باعتبارنا أمة واحدة، وخير مثال عن ذلك أن مشاركة الشارقة ضيف شرف فى الدورة الخامسة والعشرين لمعرض ساو باولو للكتاب جاءت محملة بمنجز فكرى وحدوي، حيث ترجمت هيئة الشارقة للكتاب 41 كتاباً شملت مجالات إبداعية مختلفة إلى البرتغالية سبق أن ترجمت نفس الكُتب فى مارس الماضى إلى الفرنسية شكل الإسهام العربى غير الإماراتى فيها نسبة تفوق عشرين بالمئة من مجموع الكتب المترجمة، شملت مؤلفين من: مصر، والجزائر، وعُمان، والبحرين، والعراق، وسوريا، وفلسطين، ولبنان. هذا الحضور الفكرى العربى فى معرض ساوباولو بما فيه من نشاط فكرى مصاحب من: ندوات، ونقاشات مع بعض عناصر النخبة البرازيلية، ومد جسور للتعاون بين الناشرين يًشكّل بداية لعودة قومية فى ظل انشغالات أخري، أهمها تلك المتعلقة بمصير الدولة الوطنية لجهة البقاء من عدمه، والحفاظ على الوحدة المجتمعية، ومواجهة التطرف بكل أنواعه وخاصة الفكري، كما أنه يدفعنا إلى النهوض بمستقبل الثقافة العربية فى عالم النشر والترجمة، ليس فقط لجهة الذهاب إلى الآخر بهدف الكشف عن مكامن القوة فى الثقافة العربية فحسب، ولكن لأجل شراكة حضارية فى كل المجالات عبر المدخل الثقافي. لاشك أننا من خلال الإبداع المتواصل نعمّق المشترك مع الآخر من ناحية، ونُسْهِم فى الكشف عن مرتكزات الديمومة والبقاء لثقافتنا من ناحية أخري، على أن يتم ذلك عبر وعائنا اللغوي، الذى هو اليوم مجال نقاش بين عناصر النخبة وبعض السياسيين لجهة تحديد مسارنا بين فَرْنَجَة العرب ولغتهم، أو التعويل والدعم لإبداعهم فى كل المجالات بلسان عربى مبين، يكون الحضور فيه، أقله، بما هو معترف به منظمات دولية، مثل:الاممالمتحدة، واليونسكو، وبما هو لقاء فكرى وحضارى على مستوى المراكز البحثية والجامعات الخارجية التى تدرس اللغة العربية، وبما يحقق نقاش الآخرين إعلاميا معنا من خلال الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية. الدعوة لما سبق ذكره، آتية من أنه عند ولوجنا عوالم الآخرين ميدانيا البرازيل تحديداً نكتشف أن طرق التعامل مع المستجدات والتطورات مختلفة خاصة فى المجال الثقافى من ناحيتين: التعايش، والإبداع، فبالنسبة للأولي، فإن جُمْهُورِيَّة البَرَازِيل الاتِّحادِيَّة، هى أكبر دولة فى كل من أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية، وثالث أكبر بلد فى الامريكتين، وخامس أكبر دولة فى العالم من ناحية المساحة، كما أنها أكبر البلدان الناطقة بالبرتغالية فى العالم، والوحيدة فى الأمريكتين، وتلتقى معنا فى الميراث التاريخى للغرب الاستعماري، ممثلا في: البرتغال، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، لكن تعاطيها مع التاريخ خاصة فى شقه الثقافى يختلف عنا، كما أن الصراع القائم فيها اليوم دوافعه اقتصادية وطبقية من أجل العيش، مع أن المجتمع البرازيلى مكون أكثرية بيضاء تقارب التسعين بالمئة من عدد السكان، وأقليات مختلفة( باردو، سود، آسيويون، وهنود حمر) الأغلبية من البيض، أما عندنا فى الوقت الحاضر فإن الصراع الدموى بغض النظر عن خلفياته هو ضد التعايش. أما بالنسبة للإبداع، فإن مردوده يتضح فى أمرين، الأول: المنتج الفكرى والثقافى ومدى انتشاره محليا وعالميا، والأمر الثاني: درجة الإقبال على هذا المنتج من طرف القراء، وهذا محقق من خلال الإقبال الكبير من طرف القراء فى معرض ساو باولو للكتاب، وكميات الكتب التى تطبع هناك مقارنة بالوطن العربى مذهلة، فقد تصل كل طبعة إلى 300 ألف نسخة أو تزيد، مع أن عدد سكان البرازيل اليوم نحو 206 ملايين(إحصاء 2016)، وعدد سكان الدول العربية 359 مليونا( احصاء 2017). كل ذلك يضعنا اليوم أمام مساءلة معرفية وسياسية واقتصادية، رغم أننا نحن العرب على الصعيد الحياتى نشترك فى كثير من القضايا مع سكان أمريكا اللاتينية، خاصة فى الأوجاع الإنسانية من: فقر وبطالة، مع الاختلاف فى طريقة الخروج من الأزمات بيننا وبينهم من جهة، وأساليب المحاسبة السياسية من جهة ثانية، التى خضعت فى السنوات الأخيرة إلى أشكال مختلفة من التقييم والتقويم، رغم أن النجاحات الاقتصادية، التى حققها قادتها، جعلتها من الدول الفاعلة على المستوى الاقتصادى عالميا، وإن كانت لا تخلو من خلفيات سياسية للصراع هى أقرب إلى نماذج السوء العالمثالثية، ومع ذلك فهى بيئة جاذبة لنا نحن العرب بشريا بدليل وجود جالية عربية كبيرة هناك، خاصة من لبنان وسوريا، وإبداعيا، حيث يؤثر أدبها اليوم فى ذائقة القارئ العربي، لما فيه من متعة وغرائبية وتعبير عن أبعاد إنسانية مشتركة. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه