صيغة المؤتمر الدولى للشباب الذى يعقد كل 6 اشهر تقريبا بحضور رئيس الجمهورية لا تكفى وحدها لتمكين الشباب المصرى من المساهمة الفعالة فى تحقيق التقدم المنشود لمصر، ذلك ان هذه الصيغة يشترك فيها 3000 شاب تقريبا فى حين ان المجتمع المصرى يضم اكثر من 40 مليون شاب, وقد أثبتت تجارب الشعوب ان تقدم الامم لا يتحقق الا بأوسع مشاركة ممكنة من شبابها فى كل المجالات المطروحة، لهذا التقدم. اننا فى اشد الحاجة لإشراك مئات الآلاف من الشباب فى هذه العملية ولدينا بالفعل كل الامكانيات التى تمكننا من تنفيذ صيغ اخرى الى جوار صيغة المؤتمر الدولى للشباب التى من الواضح انها مصممة لإنتاج نخبة جديدة بديلا عن النخبة الحالية التى تمتد جذورها فى تاريخ مصر عشرات السنوات. هناك المدن الجامعية والمدن الرياضية ومراكز الشباب فى الريف والقرى ومئات الآلاف من خريجى الجامعات الذين لا يعملون وطلاب الجامعات، وبقدر من التخطيط السليم نستطيع ان نستفيد من هذه المنشآت والطاقات البشرية فى تنفيذ برامج فى فترات الصيف لهذه المجالات، ويمكن البدء ببرنامج مكثف للقضاء على الأمية مثلما نفعل فى حملة القضاء على فيروس سي، فلا يليق ان تدخل مصر العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين وبها ملايين الاميين فى حين أن دولة كوبا استطاعت فى القرن الماضى ان تقضى على الأمية فى سنة واحدة ولكى يتمكن الشباب المصرى من المشاركة الفعالة الحقيقية فإنه لابد ان يتمتع بقدر مناسب من الثقافة السياسية لأنه بدون هذه الثقافة لا تتوافر له الامكانية الحقيقية للمشاركة عن الاقتناع بالدور المطلوب منه وإذا نفذنا هذه البرامج اثناء العطلة الصيفية للجامعات والمدارس فإن هذا الشباب الذى سيقوم بدور حقيقى فى تحقيق تقدم مصر يمكن ان يستمتع ايضا بقدر مناسب من الترفيه اذا عقدت هذه البرامج فى مناطق المصايف أو قريبا منها وما اكثرها فى مصر، ابتداء من بورسعيد ودمياط الجديدة وجمصة وبلطيم ورشيد والعجمى والساحل الشمالى والعلمين ومرسى مطروح وعلى ساحل البحر الاحمر والعين السخنة والزعفرانة والغردقة ومرسى علم والقصير، وهكذا فإننا يمكن ان نضرب عصفورين بحجر واحد، اشراك الشباب فى تحقيق تقدم مصر ونهضتها والترفيه عنهم فى نفس الوقت والاستفادة من ذلك كله فى تثقيفهم سياسيا ليكونوا مؤهلين للقيام بالدور المطلوب منهم عن اقتناع, بل واكثر من ذلك فإن نشر الثقافة السياسية لدى الشباب المصرى وإكسابها بعدا ديمقراطيا سوف يكون دافعا لتقدم هذا المجتمع وتطوره وتقديم نموذج عملى للشعوب العربية فى مواجهة العديد من التحديات التى تواجهه: تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطى وإشاعة العقلانية، بالإضافة إلى تحديات ومخاطر الوجود الصهيونى التوسعى، والتهميش المتزايد للعرب فى ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة التى فرضتها العولمة تحقيقا لمصالح الرأسمالية العالمية الكبرى. ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة ليس للشعب المصرى فقط بل للشعوب العربية كلها باعتبارها الطرف الأساسى فى المواجهة، وتحديد أولوياتها. فقد دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت الأعباء المترتبة على انفراد الأنظمة بمواجهة هذه المخاطر والتحديات، فقدمت آلاف الشهداء فى حروبها ضد إسرائيل، وتحملت معاناة الحصار الاقتصادى الذى فرضته عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية فى بعض المراحل، كما تحملت المعاناة الاقتصادية والتعسف الذى وصل إلى حد الحرمان من أبسط ضرورات الحياة، علاوة على البطالة والفقر والتهميش المتزايد لفئات واسعة من السكان، ولم يكن هناك مبرر معقول لأن تتحمل الشعوب العربية هذه المعاناة، وتقدم هذه التضحيات بينما هىمستبعدة من القيام بدورها الطبيعى فى اتخاذ القرار وصياغة سياسات المواجهة وتحديد أهدافها وأولوياتها. ونتيجة لهذا فقد أجمع المفكرون والمثقفون العرب تساندهم فى ذلك قوى سياسية عديدة ورأى عام شعبى واسع أن الديمقراطية هى المخرج الأساسى للشعوب العربية من مأزقها الحالى ومما تعانيه من مشكلات وأزمات، فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو التطلع إلى تحديث حقيقى للمجتمع، أو توفير العدالة الاجتماعية، أو تعميق المشاركة الشعبية، أو الحد من مخاطر الوجود الصهيونى والهيمنة الأمريكية. وكما أوضحنا من قبل فإن هذا التطور الديمقراطى يتطلب توافر ثقافة سياسية ديمقراطية تعمق قيم الديمقراطية وسلوكياتها فى المجتمع.