لا جدال في أن يمتع الفرد بحقوقه بوصفه إنسانًا يُشكل المعيار الذي يُقاس به تحضر الشعوب، هذا فضلا عمَّا تؤكده الإحصاءات الدولية من أنّ ازدهار الدول وسعادة مواطنيها رهنٌ بمدي تمتعهم بهذه الحقوق. غير أنَّه يجدر التساؤل عمَّا إذا كانت ممارسة حقوق الإنسان يُحِدُ منها بدوره القيد الوارد علي كافة الحقوق والمعروف بسوء استعمال الحق؟. وليس بخافٍ العديد مما قد تتعرض له الجماعة الوطنية، بل البشرية جمعاء، من مخاطر قد تنجم عن إساءة ممارسة هذه الحقوق سواء من جانب الفرد أو من جانب الدولة. فسوء استعمال حقوق الإنسان لا يقع علي عاتق الفرد فحسب إذ إنَّ للدولة دورًا هامًا في تمكين الفرد من ممارسة هذه الحقوق أو عدم إعمالها لأوليات ممارسة هذه الحقوق، بحيث تدعم ممارسة حق يعد من الجيل الثاني أو الثالث من حقوق الإنسان كالحق في التنمية علي حساب حق يعد من الحقوق اللصيقة بالإنسان كالحق في الحياة وسلامتها. من ذلك ما شهده العالم اخيرا من تمسك الرئيس الأمريكي بحق دولته في التنمية الصناعية مهما أدي ذلك إلي أذي لسلامة البيئة اللازمة لمعيشة الإنسان. ومن البديهي أن حق الإنسان في الحياة يتطلب توفير البيئة الصالحة لمواصلة هذه الحياة سواء علي المستوي الوطني أو الكوني ومن ثمَّ يتعين علي المواطنين والدولة معًا علي حد سواء الحفاظ علي كافة المقومات اللازمة لسلامة هذه البيئة. ولا يخفي أنَّ مصر أصبحت تُعد، وفقا للتقارير الدولية الرسمية في المرتبة الأولي بين الدول ذات النسب العالية من الهواء الملوث المؤدي إلي أخطر الأمراض، وكذلك فيما يتصل بتلوث المياه اللازمة لحياة الإنسان وسلامة غذائه. ولا ينجم ذلك عن سلوك الأفراد وحدهم بل إن النسبة الأكبر تقع علي عاتق الدولة، ومن ذلك إنشاء الدولة والأفراد للمصانع بشكل عشوائي دون احترام للمعايير اللازمة للحفاظ علي البيئة فضلا عن هذه المصانع لمخلفاتها وكذا الصرف الصحي للقري والمدن في المجاري المائية اللازمة للشرب. وقد وضعت شعوب عديدة رءوسها في الرمال لعدم رؤية الخطر الداهم الناجم عن الانفجار السكاني، فإذا نظرنا إلي مصر لوجدنا أن عدد المواطنين قد وصل في الآونة الحالية إلي ما يربو علي مائة مليون بعد أن كان في حدود العشرين مليونا حين قامت ثورة يوليو 1952 منذ ستة وستين عامًا. حينها كانت مساحة الرقعة الزراعية في مصر تبلغ ستة ملايين فدان وهذه الرقعة لم تزد في الواقع منذ ذلك الحين إلا بنسبة ضئيلة بسبب تغول المواطنين والدولة علي هذه الرقعة الضيقة بشكل عشوائي مخالف للقانون، أضف إلي ذلك النقص المتواصل في الموارد المائية بل وطرق الري الخاطئة. ولا شك أنَّ كل تخاذل في الحد من زيادة عدد الإسكان بل إنقاصه من شأنه أن يؤدي إلي وقوع هذا العبء علي عاتق الأجيال القادمة وقد لا تجد هذه الأجيال أي سبيل إلي وقف هذا السيل بعد فوات الأوان. وقد اكتفت السلطة الحاكمة في مصر بالوعظ والدعوة للحد من الإنجاب. غير أنها لم تتخذ أي خطوات عملية كغيرها من الدول التي عانت من المشكلة نفسها وذلك حرصًا علي عدم المساس بالتقاليد الراسخة التي تدعو لكثرة الإنجاب وخاصة لدي فئات عديدة من الشعب حرصًا علي المكانة الاجتماعية والعزوة أو تحقيق مكاسب من وراء عمالة الأبناء والبنات منذ الصغر. ومن ثم ليس بمستغرب عدم استجابة هذه الفئات لدعوة الدولة لتنظيم الأسرة تحقيقًا للتناسب اللازم بين عدد السكان ومساحة الدولة وقدراتها علي تلبية حاجاتهم المعيشية، ولذلك فإن الأمر يتطلب التدخل الحاسم والعاجل من جانب الدولة بإصدار تشريعات ملزمة تحدد العدد الأقصي للمواليد في الأسرة المصرية الكفيل بتحقيق هذا التناسب وذلك بمشرط الجراج الماهر الحريص علي عدم تفشي السرطان في جسم المريض رغم رفض المريض الناجم عن جهله بخطورة هذا المرض علي حياته. كذلك يجدر التنويه بما يمارسه المواطنون في مصر من إساءة للحق في العمل مما يعود عليهم أنفسهم بالضرر فضلا عما يصيب الدولة نفسها من خسائر وذلك لعدم الالتزام بالمعايير التي تتطلبها طبيعة كل عمل وحسن أدائه وليس بخافٍ ما يترتب علي عدم احترام قيمة العمل وسلامة أدائه من ضعف إنتاج الدولة وردائته، كما يترتب علي ذلك قيام الدول، التي كانت قد فتحت أبوابها علي مصراعيها لكافة فئات العمال المصرية، بالتخلص من هذه العمالة وإحلال عمال من شعوب أخري أكثر التزاما وحرصا علي العمل مما ضاعف من البطالة في مصر وقبول المواطن بأداء أي عمل قد لا يرقي لمستوي تعليمه. كذلك يجدر التنويه بسوء ممارسة الحق في التعليم من جانب الدولة ومن جانب أبناء الشعب علي حد سواء. وهي إساءة مركبة نجم عن عدم إدراك الدولة نفسها لأولوية التعليم بين التزاماتها مما أدي إلي التسرب في المراحل الأولي من التعليم، فالدولة يجب أن تبادر بتوفير كافة الوسائل والأسباب اللازمة لتعليم سليم متحضر وغير طارد للطلاب، من ذلك تشييد الدور ذات المواصفات السلمية التي لا تنهار علي رؤوس الطلاب وكذلك إعداد المعلم الصالح علي كافة المستويات إعدادًا كاملا وكفالة حياة كريمة له كي يقوم بواجباته مع الحرص علي الرقابة الدقيقة لحسن أداء العملية التعليمية بأسرها وحينئذ يمكن محاسبة الطالب بشدة عن تقصيره. ولا جدل كذلك فيما تسببه إساءة حقوق الإنسان بأضرار بالغة تصيب الفرد والدولة علي حد سواء فقد وصلت الضوضاء في الشارع المصري إلي درجة تتعذر معها الراحة ليلا ونهارا بسبب مكبرات الصوت المتشعبة المصادر وغير المصرح بالحد منها. ومن المعلوم أن الدستور المصري ينص علي مختلف حقوق الإنسان الأساسية وعلي رأسها حرية التعبير وحرية العقيدة غير أن هذه النصوص لا يتسني تفعيلها بين المواطنين طالما ظلت غير واردة في تشريعات تحددها بدقة وبنصوص غير مطاطة تتحمل كافة أنواع التأويل. لمزيد من مقالات د. فؤاد عبد المنعم رياض