3 شهداء و35 مصابا برصاص الاحتلال قرب مركز مساعدات برفح    الانتخابات الرئاسية في بولندا: المرشح القومي كارول ناوروتسكي يفوز على منافسه المؤيد للاتحاد الأوروبي    طلاب الشهادة الإعدادية بالمنيا يؤدون امتحان مادتى الدراسات الاجتماعيه والتربية الفنية    الابن العاق يقتل والده بزجاجة في شبرا الخيمة بسبب «توك توك»    كيف يتم التقدم وتسكين التلاميذ بفصول رياض الأطفال للعام الدراسي 2026؟    الجيش الروسى يسيطر على بلدة جديدة بسومى    ارتفاع أسعار النفط بعد قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج    مقتل 12 جراء حريق اندلع بمنشأة لإعادة تأهيل مدمني المخدرات في المكسيك    رئيس تشيلي: فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 2-6-2025 مع بداية التعاملات    رفع درجة الاستعداد القصوى في الأقصر لاستقبال عيد الأضحى    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. تحذير جوى بشأن حالة الطقس: «ترقبوا الطرق»    أرملة إبراهيم شيكا ترد على أنباء مساعدة سعد الصغير للأسرة    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    نصائح من وزارة الصحة للحجاج قبل يوم عرفة    وزير الخارجية الإيراني يزور القاهرة لبحث قضايا ثنائية وإقليمية    «هنقطع في هدومنا عشان زيزو!».. طارق يحيى يفتح النار على مجلس الزمالك    تعاون مصري إسباني لتطوير محاصيل الأعلاف المبتكرة في الوادي الجديد    وزير التجارة الأمريكي: ترامب لن يمدد تعليق سريان الرسوم الجمركية    هزة أرضية تضرب الجيزة.. وبيان عاجل من الهلال الأحمر المصري    المتهم الثاني في قضية انفجار خط الغاز بالواحات: «اتخضينا وهربنا» (خاص)    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 2 يونيو 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الاثنين 2 يونيو 2025    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    شريف عبد الفضيل: رحيل علي معلول طبيعي    أكرم توفيق: صفقة زيزو ستكون الأقوى إذا جاء بدوافع مختلفة.. وميسي "إنسان آلي"    4 إصابات في تصادم دراجة نارية بسيارة ربع نقل في الوادي الجديد    "غير كده معتقدش".. أكرم توفيق يعلق على انضمام زيزو إلى الأهلي    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    بدء التقديم الكترونيًا بمرحلة رياض الأطفال للعام الدراسي 2025 - 2026 بالجيزة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    هل يحرم قص الشعر والأظافر لمن سيضحي؟.. الأوقاف توضح    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    قد تسبب الوفاة.. تجنب تناول الماء المثلج    أستاذ تغذية: السلطة والخضروات "سلاح" وقائي لمواجهة أضرار اللحوم    محافظ كفر الشيخ: إنهاء مشكلة تراكم القمامة خلف المحكمة القديمة ببلطيم    توقعات برج الجوزاء لشهر يونيو 2025 رسائل تحذيرية وموعد انتهاء العاصفة    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    عماد الدين حسين: إسرائيل تستغل ورقة الأسرى لإطالة أمد الحرب    غلق مطلع محور حسب الله الكفراوى.. اعرف التحويلات المرورية    مين فين؟    التحالف الوطنى يستعرض جهوده فى ملف التطوع ويناقش مقترح حوافز المتطوعين    عدد أيام الإجازات الرسمية في شهر يونيو 2025.. تصل ل13 يوما (تفاصيل)    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    هل صلاة العيد تسقط صلاة الجمعة؟ أمين الفتوى يكشف الحكم الشرعي (فيديو)    أحمد زاهر: تعرضنا لضغط كبير ضد صن داونز وهذه البطولة تعب موسم كامل    يورتشيتش: بيراميدز أصبح كبير القارة والتتويج بدوري أبطال أفريقيا معجزة    شروط التقديم لوظائف شركة مصر للطيران للخدمات الجوية    أخبار × 24 ساعة.. إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص من 5 ل9 يونيو    قبل العيد.. 7 خطوات لتنظيف الثلاجة بفعالية للحفاظ على الطعام والصحة    ختام امتحانات كلية العلوم بجامعة أسوان    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد الأضحى للعاملين بالقطاع الخاص    هل يمكن إخراج المال بدلا من الذبح للأضحية؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤس «الفيس» وبؤس اللغة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 07 - 2018

يحسب البسطاء منا والمتعجلون أن الاكتفاء بالفيس بوك، والواتس آب، واليوتيوب، وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعى المتاحة للكافة حاليا، يغنينا عن القراءة الجادة المتمهلة المتعمقة.. وهذا - فى اعتقاد فريق آخر- مجرد وهم من الأوهام، وخطأ فادح من جملة الأخطاء. ويقول أصحاب هذا الفريق الآخر إن من بين مثالب وعيوب الفيس (وهى كثيرة)، أنه أدى إلى هشاشة فى عظام البنيان الإدراكى، ونقص فى المناعة الفكرية، لدى مستخدميه. يا خبر.. ما هذا التصريح الخطير يا عم الحاج.. وضِّح كلامك الله لا يسيئك.
قل لى: ماذا يقدم لك الفيس بوك بالضبط من معلومات؟ هل فيها (غالبا) من العميق القيّم، بل والصادق، من الحقائق العلمية الموثقة والمدروسة بعناية ما تطمئن إليه وتعتمد عليه فى تحديد حركة حياتك واتخاذ قراراتك؟ نادرا ما ستجد ذلك. إن أغلب ما يعرض علينا هو مجرد مقاطع فيديو سريعة مبتسرة، أو دفقات كلامية نطق بها كل من هبّ ودب. وحتى إن كانت هناك معلومات فإنها يتم تقديمها فى حيز ضيق لاهث لا يسمن ولا يغنى من جوع ولا يشبع نهما.
هذه هى طبيعة الفيس، وتلك هى فكرة إنشائه منذ البداية. نحن فى عصر السرعة والفاست فود، فلماذا لا نقدم المعلومات والأخبار هى الأخرى بمنتهى السرعة؟ وطبعا، ومن أجل خاطر عيون السرعة، تاهت الحقائق. اسأل روحك: كم ساعة تقضيها سيادتك أنت والفيس وحدكما فى كل ليلة وكل يوم؟ ساعات وساعات.. فماذا كانت النتيجة؟ هل شعرت بأنك بِتّ أكثر فهما للوجود، أو إدراكا لمغزى ما يدور حولك من خطط ومشكلات، بل ومؤامرات؟ أبدا.. إنك تائه فى بحر من الهرتلات الكلامية، وضجيج مصطنع من التهويمات البصرية، التى ليس لها من صاحب (وهل للفيس بوك صاحب؟).
وهكذا يمضى بنا العمر مع الفيس ونحن كما نحن، بل ونفقد كثيرا مما تربينا عليه وتعلمناه على مهل من أسس وثوابت منطقية لا تستقيم بغيرها الحياة. إلا أن هناك ما هو أخطر؛ وهو تآكل اللغة. يعنى إيه يا عم الفيلسوف؟ يعنى أن الألفاظ والمفردات والتركيبات اللغوية التى يدلقها الفيس فى عقولنا سطحية جدا، وصادرة فى الغالب عن مواطنين طيبين على نياتهم وليسوا مثقفين ولا متعمقين. ستسأل: وما الخطورة فى ذلك؟ خطورته أننا نظل نلف وندور فى الدائرة الضيقة نفسها دونما تجديد أو تطور.
إن ما يميزنا، نحن بنى البشر، عن غيرنا من حيوانات غابة الحياة، أننا نملك القدرة على الكلام، ووسيلة الكلام اللغة، فإن ماتت اللغة مات فينا العقل. وكما يقول المناطقة (أى دارسو علم المنطق) فإن اللغة هى وعاء الفكر، ودونها ومع مرور الساعات على الفيس سوف نتحول إلى كائنات بلا لغة، أى بلا فكر، ومن ثم بلا تفكير. بذمتك فهمت حاجة؟.. طيب تعال نفهم معا!
قل لى: ما هى لغتنا نحن المصريين؟ أليست العربية؟ فهل مازال أحد من الفيسبوكيين يهتم بالعربية (اللغة وليست السيارة)؟ اقرأ إن شئت ما يكتبه الناس على الفيس وأراهنك إن أنت عثرت على جملتين عربيتين منضبطتين ماسكتين بعضهما. وهكذا، وكالنار فى الهشيم، تتفشى بيننا التفاهة، وتترسخ الركاكة، ويسود فى عزائمنا التسطيح، حتى سنستيقظ ذات صباح فإذا باللغة وقد ضاعت من بين أيدينا.
ستقول متفكها (وأنت المعروف بخفة الدم!): وإيه يعنى.. طظ.. وهى اللغة بتاعتك عملت لنا إيه يعنى؟ هل ستؤكّلنا خبزا، أو ستسقينا ماءً؟ صدّق أو لا تصدق.. إن اللغة العربية المنضبطة المحترمة الرصينة هى التى ستوفر لنا فى قادم الأيام الكلأ والماء والكساء، ودونها سوف- لا سمح الله- نجوع ونعطش ونتعرى. إن لغتنا هى هويتنا.. فكيف بالله عليك ستبنى حضارة، أو تحقق تقدما، وأنت بلا هوية؟ وانظر إن شئت إلى الألمان، أو اليابانيين، أو الإنجليز، كيف يحترمون لغاتهم فيضعونها فوق رءوسهم.
ثم.. ألست تتفق معى على أن التعليم الجيد العصرى هو سبيلنا إلى بناء نهضتنا المنتظرة.. فكيف يا فالح سيتعلم أبناؤنا بينما هم بلا لغة إلّا لغة الفيس بوك المضعضعة؟ ستقول: عليهم بالإنجليزية. إذن فاعلم أنك دون لغتك العربية القويمة لن تجيد الإنجليزية.. لماذا؟ لأن اللغة ابنة مجتمعها، وما الإنجليزية إلا بنت الغرب وليست ابنتنا نحن، فإن أردت إجادتها فارحل إذن إلى الغرب. ألم تسأل نفسك مرة: لماذا يريد أبناؤنا كلهم الطفشان إلى بلدان الفرنجة الفاتنة؟ لأنهم يا حبيبى مغتربون وهم فى أوطانهم لأنهم ببساطة فقدوا لغتهم «الأم ففقدوا هوياتهم.. فهل يجد المرء منا سعادته بعيدا عن أمه؟».
وإليك القاضية: إن الفيس بوك يا سادة نزع منا، ونحن لا نشعر، متعة القراءة (وكم ذا للقراءة من متعة طاغية لا يعرفها إلا القارئون). قل لى: هل صادفت على الفيس يوما شيئا من عبقريات الأستاذ العقاد؟ أو من عجائب الأسلوب الشيق المدهش الساحر عند العميد طه؟ أو أطربتك حوارات الحكيم مع حماره؟ أو قفزت ترقص وأنت تقرأ بيتا أو بعض بيت للمتنبى؟ لن تجد.. فإن وجدت.. فالنادر القليل.. فلماذا هذا الحرمان وأمامك نهر اللغة المكتظ بالصدفات واللؤلؤ يناديك؟
وسيبقى أخيرا سؤال أراه يحوم فى رأسك كالنحلة الطنانة، ستقول: يا عم الأفندى.. إن لغة الفيس بوك هى لغة البسطاء من الناس ومتعتهم الأثيرة الآن.. فهل تريد حرمانهم منها؟ أبدا واللهِ.. إنما المسألة هى: هل من الأجدى أن نكون أمة من المتبسطين المتعجلين.. أم أمة من المتعمقين الذين لا يضحك على عقولهم أحد هكذا بسهولة؟.. الخيار لك!.
لمزيد من مقالات سمير الشحات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.