هو مواطن مصرى بسيط، شأنه شأن الكثير من الناس، تدهورت صحته بشكل كبير، وكان لابد من البحث عن سبل للعلاج، ولأنه من الفقراء، فلم يكن من أمل فى وجود العلاج، إلا عند المستشفيات الحكومية، التى وللأسف زادت صحته تدهور، وأوصدت أبواب الأمل فى وجهه بلا جريرة ارتكبها، سوى أن ظروفه الصعبة فرضت عليه اللجوء إليها. هو سيد عبد القادر علي، الذى أُصيب بانهيار فى أداء الرئة إضافة إلى ضعف عضلة القلب وما صاحبها من مشكلات كبيرة جعلت أداءه ضعيفا جدا فلجأ إلى مستشفى الصدر بالعمرانية، وصل إليها ومستوى الأكسجين 36%، وتم رفعه ل 90%، وأمروا بمغادرته المستشفى لعدم وجود سرير فى العناية المركزة، وطلبوا لجوءه إلى مستشفى أم المصريين، وعند وصوله لُوحظ انخفاض الأكسجين ل 40%. وبعد قضاء ما يفوق الساعتين، بحثا عن أنبوبة أكسجين، حتى وجدوها فى إحدى الطرقات، وكان يتناوب عليها 4 من المرضي، كل واحد منهم يستعملها عشر دقائق، فى وضع فوضوى تام، لا يليق بأن حال أن يكون فى مستشفي، وبعد علمهم أن سيد عبد القادر قادم إليهم من مستشفى صدر العمرانية، أصروا على رجوعه إلى هناك مرة أخري، لعدم وجود أسرة فى العناية المركزة، وأيضا لأن حالته تُعد مسئولية صدر العمرانية! فعاد المريض لصدر العمرانية التى رفضت استقبال الحالة نهائياً!! فبحث أهله عن مكان آخر من الأماكن التى يرتدى أبناؤها زيا أبيض، إيماءً على أنهم من ملائكة الرحمة، كما يحبون أن يُطلق عليهم؛ حتى وصلوا إلى قصر العيني، وهنا حدثت بعض المشاهد التى يصعب على محترفى الإخراج الدرامى تنفيذها لو أرادوا! تم عمل أشعة و تحاليل كاملة استغرقت ثلاث ساعات حتى ظهرت نتائجها، كانت نسبة الأكسجين عند وصوله 36%، نائب جراحة القلب وطبيب الباطنة وطبيب القلب قرروا دخوله لغرفة العناية المركزة، ولكن نائبة الرعاية ترفض دخوله نظرا لعدم الحاجة بحسب تعبيرها! توجه طبيب الباطنة لنائبة الرعاية وأصر على موقفه بضرورة دخوله الرعاية المركزة، فطلبت نائبة الرعاية إعادة بعض التحاليل وعمل أشعة مقطعية، وبعد ثلاث ساعات من ظهور النتائج، أصرت النائبة على رفضها دخول المريض غرفة الرعاية، وبعد جدال طويل، فوجيء أهل المريض بالرفض لعدم وجود أسرة بالرعاية!! وعندما فاجأها أحد من أهله بوجود ثلاثة أسرة شاغرة، قالت، ما ينفعش يدخل عشان ما يجلوش ميكروب، روحوه، واشتروا له أنبوبة أكسجين، وجهاز قياس الأكسجين، وعندما توسل أهله أن يقبلوه نظراً لضيق ذات اليد، أصرت على رفضها! ويذهب سيد عبد القادر لمنزله، مقهورا مكسور الخاطر، لتزداد حالته سوءًا بدرجة مرعبة، فيأتيه طبيب للمنزل، بعد أن دخل فى غيبوبة عميقة، ويوصى بنقله لأحد المستشفيات فوراً، لاسيما بعد استحالة إعطائه أدوية. ومن ثم يذهبون على الفور لمستشفى بولاق العام، التى رفضت استقباله أيضا لعدم وجود أسرة فى الرعاية المركزة، وقتها تم الاتصال بطواريء وزارة الصحة، لشرح الحالة، من أجل إيجاد سرير فى أى مكان للرعاية المركزة، وقد شرح أحد أطباء بولاق العام الحالة لطواريء الصحة! آملين فى وجود سرير فى غرفة للرعاية المركزة، ويخيب أملهم! بعد أن باءت محاولات أهل المريض لاستجداء أطباء المستشفى ليظل المريض بها فى أى بقعة منها بالفشل، طلبوا معهد القلب لبيان مدى إمكانية دخوله من عدمه، ومع توضيح درجة تدهور الحالة، أصر المعهد على وصوله لاستبيان حالة الخطورة، ومع ما مروا به من رحلة معاناة شديدة على مر عدة أيام لم يقترب النوم خلالها من أعينهم، ولم تسترح أجسادهم على أى مضجع، فما بالنا بمريض تنهار صحته بشكل واضح وبسرعة مطردة، ولا يعى ما يدور حوله، وقد خارت قواه تماما، وأضحى لا يحرك ساكنا!! لجأ الأهل إلى أحد المستشفيات الخاصة، بعد ما عرضوا حالة المريض الصحية عليهم تليفونيا، كما شرحوا حالتهم المادية، فقرر المستشفى استقباله على أن تكون رسوم غرفة الرعاية 800 جنيه فى اليوم! ولكن عليهم أن يدفعوا مبلغ 4000 جنيه تحت الحساب. ذهب المريض ومعه كل الفحوصات والتحاليل الخاصة بحالته، ودخل المستشفى الخاص فى تمام الساعة 11 مساء، لتفيض روحه إلى بارئها فى تمام ال 3 فجراً، 4 ساعات قضاها المرحوم سيد عبد القادر فيها، بعدها تطلب المستشفى 500 جنيه بقية الأتعاب جراء نظير ما قاموا به تجاهه فى 4 ساعات!! وحينما طالب أهله بفاتورة تفصيلية، وجدوا بها أمورا مبكيات على ما وصل إليه حال الطب فى بلدنا. مات سيد عبد القادر، ولن تستطيع أى إجراءات يتم اتخاذها فى إعادته للحياة، مات مذلولاً، متسولا علاجه فى أى مكان و لم يجده، فلقد حانت ساعته، حتى لو وجد العلاج المناسب لحالته، لم يكن ليؤخرها. ولكنه نموذج لمصرى بسيط، يوضح كم المعاناة التى يجدها أمثاله ليشعروا بآدميتهم، أكتب عنه، وأنا أعلم أنه قد ترك حياته بكل آلامها، ولكن لأوضح لكل من يهمه الأمر، كيف وصل بنا حال الصحة فى مصر، علها تكون صرخة يسمعها المسئولون عنها، ليعالجوا سوءاتها، لتكون سبباً فى تخفيف معاناة أقرانه. [email protected] لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم