الدكتور مصطفى محمود في كتابه أينشتين والنسبية يقول: "إن الحقول التي نراها خضراء ليست خضراء.. ولكن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ما عدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل أعيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ أخضر.. والعسل في فمنا حلو ولكن دودة المش لا تقربه ولا تتذوقه بعكس المش، الذي تغوص فيه وتلتهمه التهامًا وتبيض وتفقس وتعشش فيه.. الحلاوة إذًا هي صفة نسبية نِسبةً إلى أعضاء التذوق في لساننا.. إنها ترجمتنا الاصطلاحية الخاصة للمؤثرات". الماء والبخار والجليد.. مادة كيميائية واحدة تركيبها الكيميائي (اتحاد الأيدروجين بالأوكسجين 1:2).. وما بينها من اختلاف ليس اختلافًا في حقيقتها وإنما هو اختلاف في كيفيتها.. وشفافية الماء وعتامة الثلج سببها أن جزيئات الماء متباعدة لدرجة تسمح لنا بالرؤية من خلالها. وجزيئات كل المواد حتى الحديد مخلخلة ومنفصلة عن بعضها.. بل إن الجزئ نفسه مؤلف من ذرات منفصلة.. والذرّة مؤلفة من بروتونات وإلكترونات هى الأخرى منفصلة ومخلخلة ومتباعدة.. كل المواد الصُلبة عبارة عن خلاء منثورة فيه ذرّات.. ولو أن حِسّنَا البصري مكتمل لأمكننا أن نرى من خلال الجدران لأن نسيجها مخلخل كنسيج الغربال . ويوضح الدكتور مصطفى محمود أننا لو كنا نرى عن طريق أشعة إكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا عبارة عن هياكل عظمية، لأن أشعة إكس تخترق المسافات الجزيئية في اللحم.. وتراه في شفافية الزجاج.. وأن رؤيتنا العاجزة هي التي ترى الجدران صماء.. وهي ليست صمّاء.. بل هي مخلخلة أقصى درجات التخلخل.. ولكن وسائلنا المحدودة والأشعة التي نرى عن طريقها.. لا تنفد فيها، وإنما تنعكس على سطوحها وتبدو لنا وكأنها سدّ يقف في طريق رؤيتنا. ويقول صراحة: إننا لا نرى الأشياء مشوهة عن أصلها فقط.. وإنما لا نراها إطلاقًا.. وأحيانًا يكون ما نراه لا وجود له بالمرة.. فهناك غير ألوان الطيف السبعة.. أمواج أقصر من أن ندركها.. هي فوق البنفسجية.. وأمواج أخرى أطول من أن ندركها.. هى تحت الحمراء.. وتكون النتيجة ألا نراها مع أنها موجودة ويمكن إثباتها باللوح الفوتوغرافي الحساس.. وبالترمومتر. ويضيف: "وليس هذا فحسب ولكننا كذلك نرى أحيانًا أشياء لا وجود لها.. فبعض النجوم التي نراها بالتلسكوب في أعماق السماء تبعد عنا بمقدار 500 مليون سنة ضوئية.. أي أن الضوء المنبعث منها يحتاج إلى خمسمائة مليون سنة ليصل إلى عيوننا.. وبالتالي فالضوء الذي نلمحها به هو ضوء خرج منها منذ هذا العدد الهائل من السنين.. فنحن لا نراها في الحقيقة .. وإنما نرى ماضيها السحيق الموغَل في القِدَم.. أما ماهيتها الآن.. فالله وحده يعلم.. وربما تكون قد انفجرت واختفت أو انطفأت.. أو ارتحلت بعيدًا في أطراف ذلك الخلاء الأبدي وخرجت من مجال الرؤية بكل وسائلها.. فحالها الآن لا يمكن أن يصلنا خبره إلا بعد مضي خمسمائة مليون سنة"!. إذا نستطع أن نستنتج أن ما نراه من حولنا ليس عالما حقيقيا بالمرة وإنما القدرات المحدودة لحواسنا وعقولنا هى التي تخدعنا!. [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي