يتحرك المواطن فى مجالين رئيسيين، أولهما المجال الخاص وثانيهما المجال العام، وهناك فرق واضح وحد فاصل بينهما، فالمجال الخاص يتعلق بخصوصية المواطن وحياته الشخصية، وهو يمثل عالمه الضيق، ومن ذلك مثلًا طريقة حياته وسلوكه وتصرفاته الشخصية داخل منزله، ماذا يأكل وماذا يشرب؟ ماذا يشاهد وماذا يسمع؟ متى يستيقظ ومتى ينام؟ إلى آخره من أمور شخصية ليس لأحد أن يتدخل فيها، فهو لا يُسبب إزعاجًا أو ضيقًا للآخرين، هو حر يفعل ما يشاء، دون رقيب إلا ضميره ومخافة الله، وليس لأحد أن يراجعه باستثناء المقيمين معه حين تجمعهم مصالح خاصة ومعاملات مشتركة. فى المقابل يُعبر المجال العام عن حركة المواطنين وتفاعلاتهم فى المجتمع، حيث المشترك الذى يجمعهم، مثل استخدام الشوارع والطرق والتردد على المصالح الحكومية والأماكن العامة، واستعمال المواصلات وارتياد الحدائق والمكتبات ودور السينما والمسرح، والوجود فى أماكن العمل. ويمكن القول إن المجال الخاص لكل مواطن ينتهى حين يبدأ المجال العام الذى يجمع المواطنين سويًا، يلتزمون بالنظم والقوانين المقررة، المتفق عليها والمعلنة، ولعل من بين الأمثال الشائعة فى هذا المقام أنت حر ما لم تضر، فحريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين، ما يُعبر عنها بالحرية المسئولة، فأنت حر ومسئول فى الوقت نفسه، لأن المسئولية هى الوجه الآخر للحرية التى تعنى احترام الآخرين وعدم التعدى على حقوقهم وحرياتهم. ولكن يشير الواقع إلى أن هناك مجموعة من السلوكيات والتصرفات التى يقوم بها البعض من المواطنين، وتُمثل تعديًا على المجال العام وانتهاكًا لحقوق الآخرين، حيث يفرض البعض مجاله الخاص على المجال العام، بما يضر بأمن باقى المواطنين ومصالحهم، وهى سلوكيات تنتشر- على وجه خاص- فى المناطق الشعبية والأحياء المتوسطة، ربما بسبب تراخى الرقابة وضعف تنفيذ النظم والقوانين، ومن جانب آخر ميل أغلب المواطنين إلى التقيد بالأعراف والتقاليد، واعتبار الشكوى عملًا مستهجنًا. من أمثلة تلك السلوكيات ونماذجها: إقامة المناسبات الخاصة فى الشوارع مثل العزاء والأفراح، بل وأحيانًا أعياد الميلاد، دون مراعاة لراحة الجيران وظروف كبار السن والطلاب الذين يستذكرون دروسهم أو يمتحنون، مع أنه يمكن استخدام القاعات التابعة للنوادى أو تلك التابعة لدور العبادة من كنائس وجوامع والتى تقل كلفتها فى الغالب عن كلفة إقامة مثل هذه المناسبات فى الشارع. إلقاء القمامة والمخلفات فى الشوارع، وفى بعض الأحيان يتم التخلص منها بحرقها، مما يؤذى الآخرين ويسبب تلوثًا للهواء، فضلًا عن أمراض صحية خطيرة. استخدام آلات التنبيه الخاصة بالسيارات دون ضوابط، مما يزعج الآخرين ويُسبب ألمًا لهم، فضلًا عن قيام البعض باستخدام مكبرات الصوت وتعلية صوت الراديو أو التليفزيون أو الكاسيت ليتجاوز الصوت نطاق السيارة أو المنزل إلى الخارج، حيث المجال العام، ليزعج الآخرين ويُسبب تلوثًا سمعيًا. استخدام الباعة الجائلين أرصفة الشوارع والكبارى وأنفاق المشاة بشكل يعوق حركة المواطنين ويهدد سلامتهم. سير بعض المركبات، وخصوصًا التوك توك، عكسًا فى بعض الطرق، مما يُسبب ارتباكًا مروريًا فى كثير من الشوارع والميادين الحيوية، على الرغم من وجود قوانين مشددة فى هذا الشأن. الكتابة على جدران المؤسسات والمبانى والمركبات العامة، مما يؤدى إلى تشويهها وفقدان جمالها. إقامة مقبات صناعية (اللفظ الشائع: مطبات) فى الشوارع، حسب الهوى والرغبات الشخصية، دون اتباع قواعد تصميمها. وهكذا تطول قائمة السلوكيات غير المقبولة، والممارسات المرفوضة، ويمكن للقارئ الكريم، من خلال تجاربه الشخصية وخبراته اليومية، إضافة المزيد. ولا شك أنها سلوكيات ترتبط بثقافة الفرد والجماعة، تُعبر عن أسلوب الحياة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنضج الثقافى والمستوى الحضاري، ولعل السؤال الذى يفرض نفسه الآن هو ما الحل لمواجهة مثل هذه السلوكيات؟. تكمن المواجهة فى خطوتين أساسيتين، تتمثل الأولى فى التوعية والتثقيف بخطورة مثل هذه الممارسات عبر الخطاب الدينى ورسائل الإعلام ومناهج التعليم وأنشطته، وفعاليات المؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني، وتكمن الخطوة الثانية فى إعمال القانون وتفعيل النصوص التشريعية وتغليظ العقوبات على هذه السلوكيات، واستحداث ما يلزم، مع تطبيق القوانين دون تفرقة أو تمييز على جميع المواطنين فى إطار من المساواة. وتبقى الحكمة أنت حر ما لم تضر قاعدة ذهبية تحكم معاملات المواطنين، شركاء الوطن، فى المجال العام لمزيد من مقالات ◀ د. رامى عطا صديق