دائما ما كانت الجوائز الأدبية مثيرة للجدل، ففى النهاية هى تعبير عن التحيز لذائقة أدبية شخصية للقضاة، أيا كانت معايير التحكيم، واختلاف القضاة حول الجدارة النسبية لكل كتاب، ولكن الأمر يصبح أكثر جدلا عندما يكون القراء هم القضاة، وهو ما حدث مع الجائزة الذهبية للمان بوكر التى تم إعلانها أخيرا بمناسبة احتفال «المان بوكر» بمرور 50 عاماً على إطلاقها. مايكل أونداتجى رغم فوزها بجائزة «المان بوكر» بعد صدورها عام 1992، إلا أن رواية «المريض الإنجليزي» للكاتب مايكل أونداتجي، تمكنت أخيرا من اقتناص الجائزة الذهبية بعد مرور 26 عامًا كأفضل رواية فائزة بالجائزة على مدى خمسة عقود، فبعد أن اختار أعضاء لجنة التحكيم خمسة روايات للقائمة القصيرة اعتبروها الأفضل خلال خمسة عقود؛ تم فتح الباب للجمهور للتصويت لاختيار الفائز، وعلى عكس التوقعات جاء التصويت لصالح «المريض الإنجليزي» بما يقرب من 9000 صوت. منذ صدورها ترجمت الرواية إلى 38 لغة، وتم تحويلها لفيلم سينمائى حمل الاسم نفسه وحقق رواجا كبيرا، وحصد تسع جوائز أوسكار، مما لعب دورا كبير فى جذب المزيد من القراء للرواية.وبغض النظر عن التغييرات الهيكلية بين الاثنين؛ يشترك كل من الرواية والفيلم فى استحضار الذاكرة والخسارة والندم الذى ينتقل بين ممرضة ترعى رجلا مصابا بحروق فظيعة فى فيلا إيطالية فى نهاية الحرب العالمية الثانية خرج من علاقة حب مأساوية فى ماضيه ،المريض الذى يعتقد أنه إنجليزى وجد فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، سقط مع طائرته فى دراما مفزعة فقد فيها الذاكرة وتعرض للتشوه بسبب الحروق. كانت تلك هى الرواية الوحيدة بالقائمة القصيرة التى تحولت لفيلم سينمائي، وأدى هذا لطرح تساؤلات حول ما إذا كان سبب تصويت الجمهور لها هو تأثره بالفيلم، فتحويل الروايات الأدبية لأعمال درامية ناجحة عادة ما يكون مصحوبا بارتفاع مبيعات الروايات، ولكن بعيدا عن التساؤلات التى يطرحها البعض حول شرعية الناخبين والتحيز الشخصي، وعما إذا كان الجمهور قاضيا موثوقا للحكم على الجودة الأدبية؛ برزت تساؤلات آخرى أهم حول ما إذا كان التسعة آلاف قارئ قد يعرفون أى شىء عن الروايات الأخرى بالقائمة القصيرة أم أن تأثرهم بالفيلم كان العامل الرئيسى لتفضيلهم للرواية، ففى لجان التحكيم الأدبية التقليدية يقرأ القضاة كل الروايات قبل أن يصوتوا للفائزة، ولكن عندما يتم فتح مثل هذه المسابقة أمام الجمهور، فمن المرجح أن يصوت الأشخاص لصالح الرواية التى قرؤوها، لأن الكتب التى قرأناها دائمًا تكون أفضل من التى لم نقرأها. لذا لم يكن من المستغرب أن «أونداتجي» نفسه خلال مراسم تسلمه للجائزة الذهبية قد وجه الشكر لمخرج الفيلم الراحل أنتونى مينجيلا، معربا عن ظنه بأنه كان له علاقة بنتيجة هذا التصويت، مضيفا «لا أعتقد لثانية أن هذا هو أفضل كتاب فى القائمة أو أى قائمة أخرى خاصة عندما يتم وضعه بجانب عمل ل«فى سى نايبول»، أحد أساتذة عصرنا، أو عمل كبير مثل «وولف هول» لهيلارى مانتل..أشك وأعرف أكثر من أى شخص آخر أن «المريض الإنجليزي» مازال بها أخطاء». لم يبتعد ذلك عما صرحت به الكاتبة كاميلا شمسي، عضو لجنة التحكيم التى اختارت الرواية ضمن القائمة القصيرة، مشيرة « الكثير من الناس عندما يقرأون الرواية هم على الأرجح يتخيلون بطل الفيلم «رالف فينيس» وهذا لا يضر بأى شيء». لافتة إلى أن الرواية قد فازت لأنها كانت الأكثر شهرة فى القائمة القصيرة بفضل الفيلم.