يجتهد كثير من الخبراء فى محاولة فهم سياسة ترامب المعقدة المندفعة كل يوم فى اتجاهات غير متوقعة! فهو يبدو وكأنه لا ينطلق من أساس فكرى متسق، ولا يلتزم برؤية سياسية منطقية، ولا بخط عملى واضح! مثلاً، إذا كان مفهوماً أن يتشدد ضد إيران لاعتبارات معروفة حتى دون الموافقة عليها، فكيف، وفى نفس الوقت، يتعمد اتخاذ إجراءات ضد أقرب حلفائه فى حلف الناتو؟ ففى آخر لقاء معهم قبل أيام هددهم بأن ينسحب من الحلف إذا لم يلتزموا بزيادة حصصهم فى ميزانية الدفاع بنسبة مئة بالمئة. وقال بعض الدبلوماسيين الأوروبيين إن هذا تم بالضغط وليس بالتوافق، وأضاف بأن الحلفاء رضخوا لأنهم فى حاجة للعون الأمريكى خشية من روسيا التى تتقدم بثقة من القرم إلى سوريا والتى يتجول أسطولها بحرية فى البحر المتوسط..إلخ. لايكفى لتفسير هذه الأمور أن يحفر البعض فى طفولة ترامب ويجد الأسباب فى بيئته فاحشة الثراء التى نشأ فيها على أن ينصاع الجميع لطلباته دون مناقشة! لأن أقصى ما يمكن أن يصل إليه هذا البحث هو تفسير شططه وفظاظته، ولا يبرر أن هناك الآن قطاعات قوية فى المجتمع الأمريكى تؤيده، وأن لها آثاراً سياسية لصالحه حتى إذا تجاهلتها وسائل الإعلام الكبرى التى اتخذت مواقف رافضة له منذ البداية. لذلك يرجح البعض أن هذه الفئات هى التى يتوجه لها بسياساته وخطابه، وأنه يدرك أن ما يفعله تعبير قوى عن اختياراتهم الأصيلة، وأنهم كانوا يأملون أن يجدوا من يدافع عنها وأن يضعها بجسارة موضع التطبيق. والمهم أنه فى حاجة لأصواتهم ومساعدتهم فى الانتخابات التكميلية الوشيكة للكونجرس، وفى سعيه للفوز فى المعركة الرئاسية القادمة. لدى هؤلاء إحساس راسخ، يجب رصده مع الإقرار بغرابته وتناقضه مع الحقائق الدامغة، فهم يرون أن أمريكا تضحى فى سبيل السلم والأمن الدوليين، وأنها تساعد العالم بأكثر مما ينبغى، وأنه قد حان الحين إلى أن تنفض أمريكا يدها مما يعتبرونه ورطة، لأنهم هم الذين يتحملون ثمنها من ضرائبهم..إلخ!!